وقف اطلاق النار الاخير على الحدود الجنوبية، هو على الارجح الاول من نوعه الذي لا تساهم دمشق في التوصل اليه، وفي ضمانه، منذ الخروج العسكري الفلسطيني من لبنان في مطلع الثمانينيات. عدا ذلك لا يمكن العثور على أي عنصر جديد في المواجهة الاخيرة التي جرت طوال الايام الثلاثة الماضية بين العدو الاسرائيلي وبين حزب الله والتي انتهت الى اعادة تثبيت قواعد اللعبة المعتمدة منذ ست سنوات، او ربما منذ تفاهم نيسان العام .1996

الرد المشروع من جانب حزب الله على جريمة اغتيال الشهيدين محمود ونضال المجذوب، ساهم الى حد ما في حماية لبنان من المزيد من الاغتيالات الاسرائيلية، عندما اوضح ان المقاومة لا تسكت على مثل هذا الاختراق الخطير للوضع اللبناني، بل هي مستعدة للمغامرة بكل ما هو متاح لها من اجل تحذير العدو: اللجوء الى استخدام الصواريخ، اخراج الاشتباكات من منطقة مزارع شبعا ومحيطها حتى الناقورة..

نزل سكان بعض المستوطنات الحدودية الاسرائيلية الى الملاجئ لساعات قليلة كانت كافية في الغالب من اجل ان يتجاوب المسؤولون الاسرائيليون مع المساعي الدولية التي اثمرت وقفا متبادلا لاطلاق النار، وعودة مشتركة الى ما قبل اغتيال الشهيدين المجذوب في صيدا، لكنها لا تبدد الشكوك في ان العدو اتخذ ربما قرارا بفتح جبهته الشمالية بشكل او بآخر.

اختبار القوة الذي جرى في الايام الماضية لا يضمن استمرار الهدوء على الحدود الجنوبية. كان اعتماد حزب الله على الصواريخ وسيبقى خطأ فادحا، يخدم في تنفيس جرعة الانفعال والاحتقان، لكنه لا يفيد في الردع البعيد المدى.. وهو واحد من اهم دروس التجربة الفلسطينية في الجنوب واكثرها كلفة. كان يمكن لعملية تسلل حدودية او أي عملية امنية اخرى ان تكون مجدية اكثر في المحافظة على ما يعرف بتوازن الرعب السائد منذ الانسحاب الاسرائيلي من لبنان في العام .2000

السؤال الجوهري الان هو ما اذا كان اغتيال الشهيدين المجذوب مجرد انتقام اسرائيلي من عمليات حركة الجهاد الاسلامي في الداخل الفلسطيني، ام انه سياق جديد فُتح في لبنان، وهو يبدأ بتصفية المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين المؤثرين في ما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا ينتهي الا بفرض تعديلات جوهرية على الوضع اللبناني برمته.

القراءة الاولية لاتفاق وقف اطلاق النار الاخير توضح ان حزب الله اكتفى بابلاغ العدو ان اغتيال الشهيدين المجذوب لا يمر من دون عقاب، وكذلك الامر بالنسبة الى اسرائيل التي تلقت قرب صفد الدفعة الاولى من الصواريخ.. لكنها لم تكن ترغب في ان توسع المواجهة، بما يستدعي في النهاية فتح قنوات الاتصال الدولية المقطوعة مع دمشق، من اجل اعادة الهدوء الى الجبهة حسبما كان سائدا قبل نيسان العام .2005

المواجهة مفتوحة، وغياب سوريا الظاهر عن وقائعها الاخيرة لا يعني انها اقل خطورة. ربما كان العكس هو الصحيح.