تبدو دراسة تحمل عنوان <مستقبل جماعة الإخوان المسلمين> مغرية للقراءة في ظل ما يعتبره مراقبون مصريون <عقدة> لدى النظام من الجماعة، التي باتت بحسب ما وصفها الكاتب سلامة أحمد سلامة <الهاجس الوحيد المسيطر على عقل النظام وقلبه> في وقت يتساءل المصريون عموما <إلى أين نحن ذاهبون؟>.
والدراسة مهمة لكونها تكشف غلالة من الغموض أحاطت بالجماعة من الناحية التنظيمية والعقائدية، وهي الغلالة التي جعلتها أشبه بالجماعات ذات الطبيعة السرية. وبرغم أن الدراسة التي ستصدر قريبا عن <مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية>، وحصلت <السفير> على نسخة منها تركز على مستقبل الإخوان، إلا أنها تشير ولو بشكل غير مباشر إلى سيناريوهات التغيير في مصر، وهو المجهول الكبير.
ربما تكون إحدى أهم نتائج الدراسة التي أعدها الباحث والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية عمرو الشوبكي، هي أن مستقبل جماعة الإخوان السياسي، مرهون قبل أي شيء بمصير عملية الإصلاح السياسي، ذلك أن <مستقبل تطور الجماعة يتوقف على مدى انفتاح النظام السياسي المصري على قيم وقواعد الديموقراطية بشكل كامل، بحيث يقبل بحرية التعبير والتنظيم لكل القوى السياسية وبتداول السلطة سلميا>.
وفيما دشن الشوبكي دراسته بعودة تاريخية الى نشأة جماعة الإخوان وعرج على علاقتها بالدولة عبر مراحل تاريخية سابقة، إلا أنه خصص تقريبا جل الدراسة الى الواقع الحالي ورصد ما وصفه ببدايات التحول عند <الإخوان الجدد>، كاشفا عن أن ثمة ثنائية ظلت تسيطر على الطريقة التي تدار بها الجماعة لوقت طويل، وهي ثنائية الديني والسياسي التي اعتبرها الشوبكي <الإشكالية الكبرى> لإخوان الألفية.
ويتحدث الشوبكي عن عدم نجاح، أو عدم رغبة الإخوان في الفصل بين الحيز الديني والحيز السياسي، غير أنه يعود فيقول بأن حيز السياسة اكتسب في الفترة الأخيرة مكانا أكبر في الخطاب الاخواني على حساب الحيز المقدس، مشيرا الى انه <في انتخابات 2005 قدموا أنفسهم بشكل أكثر سياسة وأقل أيديولوجية وعبروا عن كفاءة تنظيمية واضحة وقدرة على تقديم خدمات للمواطنين كبديل عن الفوضى الحكومية وغياب أحزاب المعارضة>.
ووجه الشوبكي نقدا قاسيا الى جماعة الاخوان بسبب ما وصفه ب<خطاب العموميات> الذي يقول بأنه لا يحدد برنامجا واضحا للعمل السياسي <لأنه يخلط بين المقدس والسياسي والديني والاجتماعي>، ما يعني ان الخطاب غير واضح في الإجابة عن الكثير من الأسئلة المفصلية.
وتتميز الدراسة بكونها قدمت وصفا تفصيليا لأساليب التجنيد داخل الجماعة والتكوين التنظيمي والعقائدي لكوادر الإخوان الذي يكشف عن كونها <جماعة متعددة التكوين والمستويات>. وعضويتها تضم 4 مستويات، فهي تبدأ بما يسمى <الانضمام العام>، مرورا ب<الانضمام الأخوي>، ف<الانضمام العملي>. أما أعلى درجات العضوية فيه فهي <الانضمام الجهادي>.
ويكاد الشوبكي يجزم أنه برغم التقارير التي تشير من وقت الى آخر الى انقسامات ونزاعات جيلية داخل الجماعة بين حرس قديم وحرس جديد، فإن انقسام الجماعة على نفسها هو أمر <يصعب تخيله>. وهو يعتبر أن عدم التزام الجماعة ببرنامج سياسي واضح هو أحد العوامل التي ساعدت على التماسك التنظيمي للجماعة. كما أن الجماعة كما يقول الشوبكي لديها قدرة على استيعاب التناقضات الجيلية وعلى فهم المرحلة وصياغة خطاب قادر على التأثير فيها. ولكنه يعود فيقول بأن التحدي الأكبر أمام الجماعة هو ضرورة حسم مسألة هويتها السياسية.
ويضع الشوبكي أربعة سيناريوهات يتصور أنها ستحدد مستقبل الجماعة. أولها سيناريو استمرار الوضع القائم، وهو يقول ببقاء الجماعة كما هي، دينية سياسية، تجند أعضاءها على أسس دينية. وهذا السيناريو سيستمر أثناء حكم الرئيس حسني مبارك <وسيبقى المدخل الأمني والإداري المدعوم بحملات التشويه هو السلاح المشهر في وجه الإخوان وستبقى لغة العموميات وصورة الإخواني المظلوم ضحية النظم الاستبدادية هما سلاح الإخوان في مواجهة السلطة>.
أما السيناريو الثاني فهو <الفوضي غير الخلاقة>. وهو يتنبأ بأن الأوضاع في مصر تتجه نحو مزيد من التدهور بما يؤدي الى انتشار حالة من الفوضى تستغلها بعض القوى السياسية وعلى رأسها الإخوان للانقضاض على السلطة. هذا السيناريو بحسب الشوبكي يظل أضعف السيناريوهات من حيث فرص التحقق وهو يبرر ذلك بأن <الإخوان لا يسعون بأي صورة من الصور إلى الانقضاض على السلطة>، لأنهم يرغبون في أن يظلوا <أسطورة ملهمة للأجيال المقبلة>.
ثالث السيناريوهات يقول بحدوث دمج جزئي وقانوني لبعض تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسها حزب الوسط. وخطوة كهذه ستهدف في الأساس الى إضعاف الجماعة الأكبر سياسيا وتنظيميا.
أما السيناريو الرابع فهو الأكثر مثالية، وهو يتحدث عن دمج كامل للإخوان في عملية الإصلاح الديموقراطي بما يؤدي لظهور تيار <إسلامي ديموقراطي>. ويعتبر الشوبكي أن هذا <السيناريو هو المثالي للتطور الديموقراطي في مصر، أي سيناريو الانتقال الهادئ من نظام تسلطي، إلى نظام ديموقراطي>.
ويخلص الشوبكي في دراسته إلى أنه <لا يمكن تصور بناء مشروع ديموقراطي حقيقي من دون امتلاك رؤية إدماجية لحركات الإسلام السياسي السلمي، فدمج الإخوان يعني دمج السياسة في الحياة العامة وعودة الروح الى بقية الأحزاب المدنية بما فيها الحزب الوطني>.