... والآن ماذا بعد؟ ماذا بعد أن صدقت كل ارهاصات العام الماضي من ضياع الفرص وهدر الوقت وتبدل الظروف والأولويات والأجندات؟ ماذا بعد أن صحت كل التوقعات التي رفعها بعض الخارجين من 14 آذار الأصيل قبل أكثر من 10 أشهر، والتي تجاهلها فريق الأكثرية؟ وتحديداً ماذا بعدما باتت واقعاً وحقيقة، الأمور الآتية:

1 ـ انتهاء الأزمة الأميركية ـ الايرانية، بمعزل عن الاخراجات الاعلامية المقدمة لذلك. فالخيارات الأربعة التي كانت قائمة على "اللوح" الأميركي، من الضربة العسكرية، الى العقوبات الشاملة، الى عقوبات لا تشمل قطاع النفط والغاز، الى التفاوض، هذه الخيارات النظرية لم تلبث ان اختصرت بالرابع منها، لينطلق قطار المحادثات المن دون نهاية منظورة، بين واشنطن وطهران. من دون نهاية لأن الأميركيين غير قادرين على دفع كلفة الحرب، وغير قابلين لدفع كلفة الحل. ولأن الايرانيين عرفوا كيف يجعلون من الخيار العسكري سماً لعدوهم، وأجادوا رفع سقف الخيار السلمي، كي لا يتحول سماً لهم، على ما كانت حال الامام الخميني مع وقف اطلاق النار على الجبهة العراقية.

هكذا ينتظر أن تتحول المفاوضات نفسها، الشكل المعلن للتسوية الأميركية الايرانية، مفاوضات دائمة تجنب الطرفين اللدودين حرباً لا يقدران عليها وسلماً لا يرغبان فيه. فيما الشكل الفعلي للتسوية انطلق على أرض الواقع في المنطقة، تطبيعاً للعلاقات الأوروبية الايرانية من جهة، وتوثيقاً للصلات بين طهران والوكيلين الرسميين لمفهوم "الباكسا أميركانا" في الشرق الأوسط، القاهرة والرياض. بدليل مغادرة لاريجاني للثانية ووصول الفيصل الى الأولى.

انتهت الأزمة الأميركية ـ الايرانية، قبل أن ينضج رهان بعض أقطاب الأكثرية الحريرية، على حرب حاسمة تشنها واشنطن على طهران، فتتردد تداعياتها على ما سموه المحور "الحماسي" ـ الحزبللاهي ـ السوري ـ الايراني. فماذا بعد هذا التطور؟

2ـ انتهاء مسار التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لجهة مفاعيله السياسية الانقلابية كما صورت قبل عام، وكما كانت ممكنة لولا أخطاء الأكثرية وخبط عشوائها. وكما في الملف الايراني ـ الأميركي بات ثابتاً انه بمعزل عن الشكل المعلن لهذه النهاية عبر تأجيل استحقاق التحقيق سنة أخرى تنتهي منتصف حزيران 2007، فان الواقع الحقيقي يعني "رمي" المسألة الى ما بعد تقدم التفاوض الأميركي ـ الايراني، والى ما بعد مغادرة جاك شيراك قصر الاليزيه، الى جهة قد تكون "مجهولة"، والى ما بعد تمكين النظام السوري من التقاط أنفاسه، وتخطي نقطة العصر التي بلغها قبل عام، وتوسيع قاعدة حكمه من جديد، في الداخل والخارج. وفي ظل هذه "الرمية" الزمنية البعيدة، أسرّ مصدر حكومي معني بالملف، أنه يتوقع بروز عدم حماس دولي لملف المحكمة الدولية، وأن يتقدم الفتور حيال القضية في مانهاتن ولدى معظم العواصم الأساسية المقررة فيها. مردفاً ان سبباً اجرائياً وعملانياً واحداً كاف لفهم ذلك، اذ من سيقدم على انشاء محكمة والبدء في تحمل أعبائها المختلفة، قبل سنة من موعد غير مؤكد، لصدور أول وثيقة تمهيدية للقرار الاتهامي الذي ترتبط به؟

فماذا أيضاً بعد هذا التطور الثاني؟

3 ـ انسداد أفق التغيير الداخلي، بعدما أهدت الأكثرية الحريرية أخصامها، عبر التحالف الرباعي الذي أرسته انتخابياً وحكومياً، القدرة على توازن القوى وتبادل "حق النقض" والتحييد المتوازي للزخم التغييري السابق لقيام هذا التحالف. وهذا الانسداد تكرس على طاولة الحوار الأقطابي، جموداً شللياً كاملاً، طاول كل المخارج النظرية للتغيير. فبات الستاتوكو قائماً على محور العلاقة اللبنانية ـ السورية بكامل ملفاتها، وعلى محور "أزمة الحكم" والموضوع الرئاسي، كما على محور الوضع الجنوبي وقضية سلاح "حزب الله".

فماذا بعد هذا التطور الجمودي الكامل أيضاً وأيضاً؟

يعتقد وزير سابق من داخل 14 آذار الأصل، انه لو قدر لجميع أعداء الحركة السيادية اللبنانية، ان يضافروا ذكاءهم المتراكم معاً، لالحاق الضرر بتلك الحركة، لما كانوا أصابوا، كما أصاب من تحكم بقرارها، نتيجة اللاذكاء الذي تصرف به. لكنه يتابع، انه في وسط هذا الأفق المسدود، ثمة طرفان متقابلان، لا يزالان يملكان رؤية ما، لفتح ثغرة، كل في اتجاهه ولحساباته ومصلحته الحيوية. والمصادفة ان الطرفين المذكورين متناقضان، "حزب الله" من جهة ووليد جنبلاط من جهة أخرى. فماذا يحاولان وهل من فرص لمحاولاتهما؟