شاء القدر أن تكون سوريا بحكم موقعها الجغرافي في قلب دائرة الأحداث الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، فهي لصيقة بلبنان وتغيراته السياسية والصراع القائم بين طوائفه، ولصيقة بالواقع العراقي المتردي بعد الاحتلال الأمريكي، ولصيقة بالواقع الإيراني الذي يواجه الحملة الشرسة من الولايات المتحدة بسبب ملفه النووي، ولصيقة أيضاً بالواقع الفلسطيني المؤسف حقا في صراعاته الداخلية والتحديات التي تواجهها الآن حكومة حماس مع حكومة أيهود أولمرت وخطته للانسحاب الأحادي الجانب من الضفة الغربية. وإزاء كل هذه الاعتبارات كانت سوريا مستهدفة من الإدارة الأمريكية لتجميد دورها في المنطقة، بإخراجها من لبنان مع استصدار قرار مجلس الأمن رقم ،1559 بل ولم تكتف بذلك فسعت للكيد لها في لبنان، من أجل إضعاف الجبهة السورية واللبنانية ضد “إسرائيل”، وإتاحة الفرصة ل “إسرائيل” لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وضرب حكومة حركة حماس.

فمنذ صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الداعي للانسحاب السوري من لبنان ونزع سلاح المقاومة دخل ملف الوجود الفلسطيني في لبنان إلى دهاليز السياسة اللبنانية. وخلال جلسات مؤتمرات الحوار الوطني بين الطوائف اللبنانية اتفقت هذه الأطراف على نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.

المحللون يرون أن القرار 1559 قد دان السلاح الفلسطيني في لبنان ووصفه بالصفة غير الشرعية ووجوب التخلص منه، وبالتالي انعكست هذه النظرة على السياسة اللبنانية الرسمية التي اقتصرت على الجانب الأمني فقط للمشكلة، ولم تنظر إليها من خلال الوضع الاجتماعي والمعاشي للفلسطينيين. وفي التقرير السنوي الذي أعده مبعوث الأمم المتحدة “تيري لارسون” جاء: “أنه لا حاجة للأسلحة خارج مخيمات الفلسطينيين، وهي غير مسموح بها من قبل اللبنانيين” وقد أراد لارسن بذلك وضع الحكومة اللبنانية في موقف حرج مع حزب الله.

وخلال الجولة الثانية من الحوار اللبناني اتفقت الأطراف اللبنانية على نزع سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات، والعمل على انضباطه داخل المخيمات، وطالب المنظمات التي تعمل خارج المخيمات بتسليم أسلحتها خلال ستة أشهر. الا أنه حتى الآن لم تتمكن الحكومة اللبنانية من نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وكيف يتم لها ذلك والمحتل “الإسرائيلي” ما زال جاثما على أرض لبنان “مزارع شبعا”.

إن تصعيد الموقف ضد سوريا الذي بدأ بالقرار ،1559 تواصل مع صدور القرار رقم 1680 بأغلبية 13 صوتا من أعضاء مجلس الأمن الدولي وامتناع كل من الصين وروسيا عن التصويت والذي يقضي بتشجيع سوريا على ترسيم الحدود المشتركة مع لبنان وخاصة المناطق المتنازع عليها، وأيضا إقامة علاقات دبلوماسية كاملة.. وفتح سفارات في البلدين.

وقد اعتبرت دمشق هذا القرار استفزازيا ويُعقد الأمور ولا يحلها وأنه يُعد إجراءً غير مسبوق للتدخل في الشؤون السياسية والعلاقات الثنائية بين الدول.

يذكر أن الرئيس جورج بوش قد مدد العمل بالقرار الخاص بالحظر على تصدير المواد العسكرية أو الحساسة إلى سوريا، وتجميد أصول رجال الأعمال السوريون “الذين يسهمون في التدخل في شؤون لبنان أو يدعمون المنظمات الإرهابية”. وقد زعم المرسوم الذي أرسله بوش إلى الكونجرس الأمريكي بأن الأعمال التي تقوم بها سوريا لدعم الإرهاب والتدخل في شؤون لبنان والسعي لامتلاك أسلحة دمار شامل ومواصلة البرامج الباليستية تمثل تهديداً متواصلا وغير عادي للأمن الأمريكي.

وكان بوش قد أصدر من قبل أمرا رئاسيا يقضي بمصادرة ممتلكات وأموال أي مسؤول سوري أو لبناني يثبت تورطه من قريب أو بعيد في عملية اغتيال رفيق الحريري. كما اتهمت الإدارة الأمريكية سوريا بعرقلة الحوار الوطني اللبناني بشأن موضوع التجديد للرئيس أميل لحود، كما طالبت سوريا بالتوقف عن تسريب الأسلحة للميليشيات في لبنان.

إن سوريا لا تزال في مرمى النار الأمريكية، والضغوط عليها من خلال القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن بخصوص لبنان تصب في هذا الاتجاه.