على الرغم من الدفع الذي تعطيه الدول الاوروبية للعرض الغربي للحوافز التي قدمت الى ايران في شأن مشروعها النووي، وقرب زيارة الممثل الاعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي خافيير سولانا طهران لمناقشة هذا العرض مع المسؤولين الايرانيين، فان ديبلوماسيين غربيين لا يبدون تفاؤلا كبيرا في هذا الشأن. ويعتقد هؤلاء ان ايران ستحاول الافادة من عامل الوقت قدر المستطاع ولن تتخلى بسهولة عن مشروع التخصيب النووي الذي تتابعه. والرئيس الايراني احمدي نجاد، ولاسباب داخلية، لا يستطيع ان يتخلى عن هذا المشروع وهو الذي رفع سقف تحدي العالم باسره فجمع الايرانيين حوله متحديا كل مراكز القوى الاخرى. ويعتقد هؤلاء الديبلوماسيون ان العرض الغربي مناسب جدا للجميع الى الحد الذي يدعو الى التشكيك فعلا في امكان الحصول على مثل النتائج التي يطرحها وان اللعبة ليست لعبة يربح فيها كل الافرقاء، بل هي اقرب الى ان تكون لعبة شطرنج سيسعى فيها الايرانيون الى الربح في كل الاحوال مستفيدين من عوامل متعددة.

هذه النظرة الى الوضع الدولي مع ايران تؤدي الى الاقرار بان سوريا استطاعت ان تحقق مكاسب خلال الاشهر التسعة الماضية، اي منذ وصول احمدي نجاد الى السلطة في ايران والسياسة التي يتبعها من حيث الاتفاقات التي عقدتها دمشق مع طهران اخيرا، ولو ان ذلك كفل لها انزعاجا كبيرا على المستوى العربي. لكن دمشق، وعلى غير ما يعتقد البعض من ان تسوية محتملة مع ايران على اساس عرض الحوافز المقدم اليها سيؤدي الى المزيد من عزل سوريا - هي اليوم في ما يسمى بالانكليزية "وضع الرابح في كل الاحوال". اي ان التسوية مع ايران ستؤدي حكما الى تسوية لاحقة معها، وعدم التوصل الى تسوية مع ايران يبقي سوريا من الاوراق القوية التي تتمسك بها ايران تماما على ما يعتقد انها تفعل بالنسبة الى "حزب الله" في لبنان، وحركة "حماس" في فلسطين، مع عدم اسقاط الافادة الكبيرة للعاصمة السورية مما يحصل في الاراضي الفلسطينية المحتلة وبين الفلسطينيين انفسهم ثم بينهم وبين اسرائيل، ومن دون تجاهل دور اسرائيل في التسبب بما يحصل وتسعيره، وهو كله يطيح اي امكان لعودة التفاوض السلمي بين الفلسطينيين واسرائيل في المدى المنظور. وهذا امر يريح السوريين الى حد بعيد في ظل ابتعاد افق السلام ايضا منذ اعوام.

والاطلالات الاعلامية السورية المتكررة والمتعددة من المسؤولين الكبار في الاونة الاخيرة على نحو خاص ترمي الى التعبير عن حال ثقة وقوة واطمئنان الى عودة امتلاك كل الاوراق الداخلية، والاستناد الى دعم خارجي يتمثل في اتفاق التعاون العسكري مع طهران، وهي مسائل تزامنت وارتياح سوريا الى خلو التقرير الثاني للمحقق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيرج برامرتس من اي اتهام لها او لمسؤولين فيها، مما يدفع بالمسؤولين الكبار الى الافادة من المهلة التي يتيحها الصيف، وقبل حصول تطورات جديدة محتملة، الى توظيف هذه الايجابيات لمصلحتها. واستفادت سوريا، بحسب الديبلوماسيين الغربيين، من مخاوف بعض الدول العربية من احتمال فوز "الاخوان المسلمين" في سوريا ومدى انعكاس ذلك على الاوضاع في دول الجوار. وعزز هذه المخاوف لاحقا فوز "حماس" في الاراضي الفلسطينية المحتلة، مما ساهم في اعادة الزخم لدى هذه الدول العربية من اجل الدفاع عن النظام في دمشق، في وجه اي محاولة اميركية او غربية للضغط الشديد عليه، وتأمين عوامل الاستمرار والديمومة له. لا يغفل هؤلاء الديبلوماسيون، في المقابل، سعي سوريا الى ترجمة عودة الثقة اليها في اطلاق مواقف متصلبة من لبنان، واحيانا استفزازية، تسعى فيها الى التدليل على انها لا تزال "تمون" على الوضع فيه، وتضع المعايير لمن يجب التحاور معه.

وقد بلغ هؤلاء عدم ارتياح سوريا الى الحوار القائم بين الزعماء اللبنانيين وهي تتمنى، بحسب معلوماتهم، الا يصل الى النهايات المرجوة. لا بل هي منزعجة جدا منه، في موازاة طموحها مع ايران الى "طرد" ما تعتبره الحضور الغربي القوي في لبنان على نحو مماثل من حيث المبدأ لما حصل عام 1983 مع فارق ان الحضور الغربي راهنا يقتصر على السياسي فحسب، دون العسكري، باعتبار ان بعضا من القوات المتعددة الجنسية كان موجودا في ذلك الوقت في بيروت، مع فارق ان لا نية ابدا لدى المجتمع الدولي سوى للاستمرار في دعم لبنان والمساعدة على توفير عوامل سيادته واستقلاله الكاملين. وهو امر لن يتغير في وقت قريب، مع التعويل في المقابل على اللبنانيين لكي يبادروا الى معالجة امورهم بجدية اكبر عبر استمرارهم في الحوار اولا حتى من اجل تحديد ثوابت تحظى باجماع ويرجأ تنفيذها الى الوقت الملائم، ومن خلال المبادرة مجددا الى طرح المعالجات الاقتصادية والاصلاحية وتقديم المقاربات المقبولة من الجميع بحيث يكون جميع الافرقاء امام مسؤولياتهم في هذا الشأن.