السيدة المستشارة الالمانية، السيد تيلشيك، السيدات والسادة المحترمون!

شكرا جزيلا.

أنا ممتن للغاية على دعوتي لهذا المؤتمر ذي التمثيل الرفيع الذي جمع سياسيين وعسكريين ورجال أعمال وخبراء من أكثر من 40 بلدا في العالم.
إن صيغة المؤتمر توفر لي إمكانية تجنب "اللباقة الزائدة عن اللزوم" وضرورة التحدث بقوالب دبلوماسية منمقة وسارة ولكنها فارغة. وتتيح صيغة المؤتمر طرح ما يجول في خاطري حقا حول قضايا الأمن الدولي. وإذا بدت أفكاري لزملائنا حادة بشكل مفرط جدليا أو غير دقيقة أرجو المعذرة وعدم الزعل فهذا مجرد مؤتمر. وأعول على ألا يولع السيد تيلشيك "الضوء الأحمر" بعد مرور دقيقتين ـ ثلاث دقائق على بدء خطابي.
من المعروف أن قضايا الأمن الدولي أوسع بكثير من قضايا الاستقرار السياسي العسكري. وهي تتمثل في ثبات الاقتصاد العالمي، والقضاء على الفقر، وكذلك الأمن الاقتصادي، وتطوير الحوار بين الحضارات.
وينعكس هذا الطابع الشامل للأمن في مبدأه الأساسي ـ "أمن كلٍ هو أمن الجميع". وقد قال فرانكلين روزفلت في الأيام الأولى من الحرب العالمية الثانية ـ " أينما يخرق السلام يواجه السلام الخطر في كل مكان ويتعرض له".
وتواصل هذه العبارة حفاظها على حيويتها في يومنا الراهن. وخير دليل على ذلك بالمناسبة موضوع مؤتمرنا المكتوب هنا ـ "الأزمات العالمية ـ المسؤولية الشاملة".

لقد كان العالم مقسما قبل عقدين فقط إيديولوجيا واقتصاديا، وكانت تضمن أمنه القدرات الإستراتيجية الهائلة للدولتين العظميين.
وكانت المواجهة العالمية تسفر عن تهميش القضايا الاقتصادية والاجتماعية الملحة للغاية في ساحة العلاقات الدولية وآجندتها. وتركت "الحرب الباردة" كأي حرب لنا إن جاز القول "قذائف موقوتة لم تنفجر". واقصد بهذا القوالب الأيديولوجية والمعايير المزدوجة والكليشيهات الأخرى من نمط التفكير بروح الأحلاف.
وأما العالم الأحادي القطب الذي جرى عرضه بعد "الحرب الباردة" فلم يصبح حقيقة واقعة أيضا.

إن تاريخ البشرية يعرف بالطبع فترات الحالة الأحادية القطب والسعي للهيمنة العالمية. وكان كل شيء في تاريخ البشرية الحافل!
ومع ذلك ماذا يعني العالم الأحادي القطب؟ فمهما جرى تزويق هذا المصطلح يبقى يعني في نهاية المطاف شيئا واحدا فقط في حقيقة الأمر ـ مركز سلطة واحد، ومركز قوة واحد، ومركز واحد لاتخاذ قرارات.
وهذا عالم سيد واحد وصاحب واحد للحقوق السيادية، مما يعتبر أمرا مهلكا في نهاية المطاف ليس بالنسبة لجميع من يكونون ضمن حدود هذا النظام فحسب بل ولصاحب الحقوق السيادية نفسه لأنه ينخره من الداخل.
ولا يمت هذا بالصلة إلى الديمقراطية، طبعا. ذلك أن الديمقراطية هي كما معروف سلطة الأغلبية مع مراعاة مصالح وآراء الأقلية.

وبالمناسبة أقول أنه يجري تعليمنا (نحن في روسيا) الديمقراطية على الدوام. ولكن من يعلمنا لا يود تعلمها لأسباب غير معروفة.
وأرى أن النموذج الأحادي القطب لا مجرد غير مقبول بالنسبة للعالم المعاصر بل ومستحيل التحقيق على الإطلاق. وليس فقط لأنه لن تكون كافية في ظل الانفراد بالقيادة في العالم المعاصر ـ المعاصر بالذات ـ لا الموارد العسكرية السياسية ولا الاقتصادية. إن الأهم هو أن النموذج نفسه لا يعمل لأنه لا يعتمد ولا يمكن أن يعتمد على القاعدة المعنوية والخلقية للحضارة المعاصرة.

ومع ذلك إن كل ما يحدث في العالم اليوم ـ وإننا مجرد بدأنا الآن نناقش هذا ـ هو نتيجة محاولات تطبيق هذا التصور النظري بالذات في القضايا العالمية ـ أي فكرة العالم الأحادي القطب.
وما هي النتيجة؟

إن الإجراءات الأحادية الجانب وفى الغالب غير القانونية لم تحل أيا من المشاكل. وإنها تحولت علاوة على ذلك إلى مصدر لمآسي إنسانية وبؤر توتر جديدة. وأحكموا بأنفسكم ـ الحروب والنزاعات الإقليمية والمحلية لم تصبح أقل. وقد أشار السيد تيلشيك إلى هذا بليونة بالغة. كما لم يقل عدد البشر الذين يهلكون في هذه النزاعات وإنما أصبح حتى أكثر من السابق. أكثر فأكثر بشكل ملموس!

وإننا نلاحظ اليوم استخداما مفرطا وجامحا لا يكبح للقوة في الشؤون الدولية ـ القوة العسكرية ـ القوة التي تغرق العالم في لجة نزاعات جديدة الواحد تلو الآخر. وفي النتيجة لا تكفي الإمكانيات لحل أي منها بصورة شاملة. كما يتعذر إيجاد تسوية سياسية لها.
وإننا نرى تزايد الاستخفاف بمبادئ القانون الدولي الأساسية. وعلاوة على ذلك أن بعض القواعد - ومن حيث الجوهر كل النظام القانوني لدولة واحدة وبالمرتبة الأولى بالطبع الولايات المتحدة - قد تجاوزت الحدود الوطنية في كافة الميادين في الاقتصاد والسياسة وفي الميدان الإنساني وتفرض على الدول الأخرى. فلمن يروق هذا؟ وأكرر ـ لمن يروق هذا؟
ونواجه بشكل متزايد في الشؤون الدولية السعي لحل هذه القضية أو تلك انطلاقا مما يسمى بالجدوى السياسية المبنية على التقلبات السياسية الجارية.
وهذا خطر للغاية بالطبع ويؤدي إلى تعذر الإحساس بالطمأنينة. وأود تأكيد هذا ـ يتعذر الشعور بالطمأنينة! وذلك لأنه لن يستطيع أي فرد الاحتماء بالقانون الدولي بشكل مضمون. وتشكل هذه السياسية بالطبع عاملا محفزا إلى سباق التسلح.

وإن عامل هيمنة القوة يغذي سعي عدد من البلدان لامتلاك سلاح دمار شامل. وعلاوة على ذلك ظهرت أخطار جديدة مبدئيا لم تكن معروفة من ذي قبل ولكنها اكتسبت اليوم طابعا عالميا مثل الإرهاب.
وأنا على قناعة بأننا اقتربنا من النقطة الحرجة عندما يتوجب علينا التفكير مليا بجد بشأن كل بنيان الأمن العالمي.

ومن الضروري هنا الانطلاق من البحث عن توازن معقول بين مصالح كافة أعضاء المجتمع الدولي. وهذا لاسيما الآن عندما تشهد الساحة الدولية المتغيرات السريعة نتيجة التطور الديناميكي لعدد كبير من الدول والأقاليم.
وقد أشارت السيدة المستشارة الألمانية إلى هذا. فإن مجموع الناتج المحلي الإجمالي في الهند والصين وفق القدرات الشرائية المكافئة يزيد على ما لدى الولايات المتحدة. وأما مجموع الناتج المحلي الإجمالي المحسوب وفق هذا المبدأ لمجموعة الدول التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين فيزيد على مجموع الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي. وإن هذا الفرق في المستقبل التاريخي القريب وفقا لتقييمات الخبراء مجرد سينمو.

ولا يجوز الشك في أن الطاقات الاقتصادية لمراكز النمو العالمي الجديدة ستتحول بلا ريب إلى نفوذ سياسي وستعزز نزعة تعدد الأقطاب.
وفي هذا الصدد ينمو بشكل ملموس دور الدبلوماسية المتعددة الأطراف. ولا بديل للصراحة والشفافية والوضوح في التنبؤ في السياسة. أما استخدام القوة فيجب أن يكون إجراء استثنائيا حقا كما عقوبة الإعدام في الأنظمة القانونية لبعض الدول.

ولكننا اليوم على العكس نلاحظ وضعا عندما البلدان التي تحظر فيها عقوبة الإعدام حتى بحق القتلة والمجرمين الآخرين ـ المجرمين الخطرين ـ توافق بسهولة رغم ذلك على المشاركة في العمليات الحربية التي يصعب اعتبارها قانونية. ويهلك في هذه النزاعات بشر ـ مئات وآلاف الأشخاص من المواطنين الأبرياء!

ومع ذلك يتبادر في نفس الوقت السؤال: هل يتوجب علينا ياترى أن نبقى ننظر إلى مختلف النزاعات الداخلية في بعض البلدان وإلى إجراءات الأنظمة المستبدة والطغاة وإلى انتشار أسلحة الدمار الشامل بتهاون وبلا مبالاة؟ وهذا بالذات من حيث الجوهر كان يتوضع في أساس السؤال الذي وجهه زميلنا المحترم السيد ليبرمان إلى المستشارة الألمانية. وأنا فهمت سؤالكم (موجها الكلام إلى ليبرمان) بصورة صائبة، أليس كذلك؟ إن هذا السؤال هام بالطبع! وأنا سأحاول الإجابة عن سؤالكم أيضا. لا يجوز بالطبع أن نبقى ننظر بلا مبالاة. بالطبع لا يجوز.

ولكن هل توجد لدينا الوسائل لمواجهة هذه الأخطار؟ بالطبع تتوفر. فيكفي التذكير بالتاريخ القريب. فقد حدث انتقال سلمي إلى الديمقراطية في بلدنا، أليس كذلك؟ فجرى تغيير النظام السوفيتي تغييرا سلميا! ذلك النظام الذي كان مع كميات السلاح الكبيرة بما فيها السلاح النووي! فلماذا يجري اللجوء إلى القصف وإطلاق النار في كافة الأحوال الآن؟ فيا ترى ألا تنقصنا - في ظل غياب خطر الإبادة المتبادلة - الثقافة السياسية واحترام قيم الديمقراطية والقانون؟

وأنا على قناعة بأنه لا يمكن أن يشكل الآلية الوحيدة لاتخاذ القرارات بشأن استخدام القوة العسكرية بمثابة الإجراء الأخير إلا ميثاق الأمم المتحدة. وبهذا الصدد إما أنا لم أفهم ما قاله زميلنا وزير الدفاع الإيطالي مؤخرا وإما كان تعبيره غير دقيق. فأنا على أي حال سمعت أنه لا يمكن اعتبار قرار استخدام القوة قانونيا إلا في حالة اتخاذه من قبل الناتو أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة. وإذا كان رأيه هذا حقا فإن وجهات نظرنا معه مختلفة أو أنا أخطأت في السمع. فلا يمكن اعتبار استخدام القوة قانونيا إلا إذا اتخذ القرار على أساس الشرعية الدولية وفي إطار الأمم المتحدة. ولا يجوز استبدال الأمم المتحدة لا بالناتو ولا بالاتحاد الأوروبي. وعندما ستوحد الأمم المتحدة فعليا قوى المجتمع الدولي التي بوسعها الرد حقا على الأحداث في بعض البلدان وعندما سنتخلص من الاستخفاف بالقانون الدولي، فمن الممكن أن يتغير الوضع. وفي حالة العكس سيلج الوضع في طريق مسدود فقط وسيتضاعف عدد الأخطاء الجسيمة. وهناك حاجة في غضون ذلك بالطبع إلى أن يكون للقانون الدولي طابع عام في استيعاب الأحكام والقواعد وفى استخدامها على حد سواء.

ولا يجوز نسيان أن نموذج العمل الديمقراطي في السياسة يفترض نقاشا وعملا جهيدا على إعداد القرارات.

السيدات والسادة المحترمون!
إن خطر زعزعة العلاقات الدولية المحتمل يرتبط بالركود الواضح في مجال نزع السلاح.
فروسيا تدعو إلى استئناف الحوار بشأن هذه القضية الهامة جدا.

ومن المهم الحفاظ على ثبات قاعدة نزع السلاح القانونية الدولية وضمان التتابع في غضون ذلك في عملية تقليص الأسلحة النووية.
لقد اتفقنا مع الولايات المتحدة على تقليص قدراتنا النووية على الحاملات الإستراتيجية إلى حد 1700 ـ 2200 عبوة نووية حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) عام 2012. وإن روسيا عازمة على تنفيذ الالتزامات التي قطعتها على نفسها بدقة. ونأمل أن يعمل شركاؤنا بشكل شفاف أيضا وألا يبقوا في كافة الأحوال مائتي عبوة نووية فائضة "لليوم الأسود". وإذا أعلن وزير الدفاع الأمريكي الجديد أمامنا هنا اليوم أن الولايات المتحدة لن تخفي هذه العبوات الفائضة لا في المستودعات ولا "تحت المخدة" ولا "تحت البطانية" فأنا أعرض على الجميع الوقوف والترحيب بهذا وقوفا. وسيكون هذا أهم تصريح.

إن روسيا تتمسك وعازمة على مواصلة التمسك بمعاهدة منع انتشار السلاح النووي ونظام الرقابة المتعددة الأطراف على التكنولوجيات الصاروخية. وتحمل المبادئ التي دونت في هذه الوثائق طابعا شاملا.
وبودي التذكير في هذا الصدد بأن الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة وقعا في الثمانينات على معاهدة تصفية صنف كامل من الصواريخ المتوسطة والقريبة المدى ولكن هذه الوثيقة لم تكسب طابعا شاملا.

وتتوفر هذه الصواريخ اليوم لدى عدد كبير من البلدان ـ كوريا الديمقراطية والجمهورية الكورية والهند وإيران وباكستان وإسرائيل. ويعكف العديد من دول العالم الأخرى على صنع هذه الأنظمة الصاروخية وفي نيتها التسلح بها. أما الولايات المتحدة وروسيا فهما وحدهما تعهدتا بعدم صنع أنظمة السلاح هذه.

ومن الواضح إننا مرغمون في ظل هذه الظروف على التفكير بصيانة أمننا.
ولا يجوز في نفس الوقت السماح بظهور أصناف سلاح جديدة عالية التكنولوجيا مزعزعة للاستقرار، فضلا عن الحيلولة دون ظهور ساحات جديدة للمواجهة وخاصة في الفضاء. وإن "حروب النجوم" لم تعد كما هو معروف ضربا من الخيال وإنما حقيقة واقعة. فإن زملاءنا الأمريكان قاموا في أواسط الثمانينات من القرن الماضي بتجربة عملية اعتراض على قمر صناعي لهم عمليا.

وبوسع عسكرة الفضاء حسب رأي روسيا أن تتمخض عن عواقب وخيمة للمجتمع العالمي لا تقل عن بدء العصر النووي. وإننا تقدمنا مرات بمبادرات ترمي إلى منع نشر الأسلحة في الفضاء.
وبودي إطلاعكم اليوم على إننا أعددنا مسودة معاهدة حول حظر نشر السلاح في الفضاء. وإنها ستوزع في القريب العاجل على الشركاء بمثابة مقترح رسمي. ولنعمل على هذا سوية.

كما لا يمكن ألا تثير قلقنا مخططات نشر عناصر منظومة الدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا. فمن يحتاج إلى جولة جديدة من سباق التسلح الحتمي في هذه الحالة"؟ واشك جدا في أن الأوروبيين أنفسهم يحتاجون إليها.
فإن السلاح الصاروخي الذي يهدد أوروبا فعليا بمدى ما يقارب 5 ـ 8 آلاف كيلومتر لا يتوفر لدى أي مما تسمى "بالبلدان المسببة للمشاكل". ولن تظهر وحتى لا يمكن توقع ذلك في المستقبل المنظور. وحتى إطلاق الصاروخ الكوري الشمالي الافتراضي على سبيل المثال باتجاه أراضي الولايات المتحدة عبر أوروبا الغربية يتعارض بكل جلاء مع القوانين البالستية. ويقولون لدينا في روسيا أن هذا يشبه تماما "مد اليد اليمنى إلى الأذن اليسرى".

وبوجودي هنا في ألمانيا لا يمكنني عدم الإشارة إلى حالة التأزم التي تمر بها معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا.
فقد وقعت المعاهدة المعدلة المكيفة بشأن القوات المسلحة التقليدية في أوروبا في عام 1999 وراعت الواقع الجيوسياسي الجديد ألا وهو حل حلف وارسو. ومرت منذ ذلك الحين سبع سنوات ولم تصادق على هذه الوثيقة إلا 4 دول بينها روسيا الاتحادية.

وتعلن بلدان الناتو بصراحة أنها لن تصادق على المعاهدة بما فيها الوثائق حول التقييدات على الأجنحة (نشر قوات مسلحة محدودة على الأجنحة) طالما لم تسحب روسيا قواعدها من جورجيا ومولدافيا. فيجري الآن سحب قواتنا من جورجيا وحتى علاوة على ذلك بشكل سريع. وإننا قمنا مع زملائنا الجورجيين بحل هذه القضايا وهذا معروف للجميع. وفي مولدافيا لم تبق إلا مجموعة من 5ر1 ألف فرد يقومون بمهمات حفظ السلام ويحمون مستودعات العتاد الباقية من العهد السوفيتي. وإننا نناقش مع السيد سولانا هذه القضية على الدوام وإنه يعرف موقفنا. كما أننا على استعداد لمواصلة العمل في هذا الاتجاه.

ومع ذلك ماذا يحدث في هذا الوقت؟ أخذت تظهر في بلغاريا ورومانيا في هذا الوقت ما يسمى بقواعد متقدمة أمريكية خفيفة من 5 آلاف فرد في كل منها. والحاصل أن الناتو يقوم بتحريك قواته المتقدمة نحو حدودنا الدولية وأما نحن فننفذ المعاهدة بحذافيرها ولا نرد على تلك الإجراءات على الإطلاق.
وأعتقد أنه من الواضح أن عملية توسيع الناتو ليست لها أي علاقة بتحديث الحلف نفسه أو صيانة أمن أوروبا. وعلى العكس إن هذا عامل استفزاز جدي يقلل من مستوى الثقة المتبادلة. ولدينا حق عادل في السؤال بصراحة ـ ضد من يجري هذا التوسيع؟ وما الذي حل بالتأكيدات التي قدمها الشركاء الغربيون بعد حل معاهدة وارسو؟ وأين هذه التصريحات الآن؟ لا يوجد حتى من يتذكرها. ولكن أسمح لنفسي تذكير الحضور بما قيل. وأود هنا ذكر مقاطع من خطاب السيد فيرنير في بروكسل في 17 مايو (أيار) عام 1990. فقد قال وقتئذ إن "واقعة استعدادنا لعدم نشر قوات الناتو خارج حدود ألمانيا توفر للإتحاد السوفيتي ضمانات أمنية ثابتة". وأين هذه الضمانات؟

لقد تحولت ألواح وطوب جدار برلين الخرسانية إلى تحف تذكارية منذ أمد. ولا يجوز في نفس الوقت نسيان أن سقوطه تيسر بما في ذلك بفضل خيار شعبنا ـ شعب روسيا ـ التاريخي في صالح الديمقراطية والحرية والانفتاح والشراكة الصادقة مع كافة أعضاء الأسرة الأوروبية الكبيرة.
أما الآن فيحاولون الآن فرض جدران وخطوط تقسيم جديدة ولتكن افتراضية ولكنها تقسم قارتنا المشتركة. فياترى هل ستنشأ من جديد حاجة إلى سنين طوال وعقود وتغير عدة أجيال من السياسيين بغية "تحطيم وإزالة" هذه الجدران الجديدة؟

السيدات والسادة المحترمون!
إننا ندعو بشكل قاطع إلى تعزيز نظام منع الانتشار. وتتيح القاعدة القانونية الدولية الحالية تطبيق التكنولوجيات لتصنيع الوقود النووي لاستخدامه في الأغراض السلمية. فإن العديد من البلدان تود بكامل المسوغات امتلاك صناعة الطاقة النووية الخاصة بها كأساس للاستقلال في ميدان الطاقة. وإننا نفهم أيضا أنه من الممكن تحويل هذه التكنولوجيات بسرعة إلى تكنولوجيات لصنع مواد السلاح.

وهذا يخلق توترا دوليا خطيرا. وخير مثال على ذلك الوضع المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وإذا لم يجد المجتمع الدولي حلا سديدا لصراع المصالح هذا فإن الأزمات المزعزعة للاستقرار ستواصل هز العالم لأن البلدان الواقفة على عتبة ذلك أكثر من إيران وإننا جميعا نعرف هذا. وسنواجه على الدوام خطر انتشار أسلحة الدمار الشامل.

وتقدمت روسيا في العام الماضي بمبادرة إنشاء مراكز متعددة الجنسيات لتخصيب اليورانيوم. وإننا لا نعارض إنشاء هذه المراكز لا في روسيا فحسب بل وفي البلدان الأخرى حيث توجد صناعة للطاقة النووية السلمية على أساس قانوني. وسيكون بوسع الدول التي تود تطوير صناعة الطاقة النووية الحصول على الوقود النووي بصورة مضمونة من خلال المشاركة بشكل مباشر في عمل هذه المراكز تحت الإشراف الصارم من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالطبع.

وتنسجم مع المقترح الروسي مبادرات الرئيس الأمريكي جورج بوش الأخيرة. وأرى أن من مصلحة روسيا والولايات المتحدة بصورة موضوعية وبدرجة متساوية تشديد نظام منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ووسائل نقلها. وإن بلدينا بالذات اللذين يعتبران القوتين الرائدتين من ناحية القدرات النووية والصاروخية يجب أن يتصدرا عملية إعداد أجراءات جديدة متشددة أكثر في مجال منع الانتشار. وإن روسيا مستعدة لهذا العمل. وإننا نجري مشاورات مع أصدقائنا الأمريكان.

وعلى العموم يجب أن يجري الحديث حول إعداد منظومة كاملة من الوسائل السياسية والحوافز الاقتصادية ـ الحوافز التي ستسعى الدول في ظلها إلى عدم إنشاء طاقاتها لدورة الوقود النووي ولكن تتوفر لديها إمكانية تطوير صناعة الطاقة الذرية معززة في غضون ذلك قدراتها في مجال الطاقة.
وبهذا الصدد سأتوقف بصورة مفصلة عند التعاون الدولي في ميدان الطاقة. لقد تطرقت السيدة المستشارة الألمانية إلى هذا الموضوع وإن كان ذلك باختصار. وترمي روسيا في ميدان الطاقة إلى استحداث وتطبيق مبادئ سوق وشروط شفافة وموحدة للجميع. فمن الواضح أنه يجب أن تحدد سعر موارد الطاقة السوق ولا يجوز أن يكون مادة لمضاربات سياسية وتخويف وضغط اقتصادي.

وإننا منفتوحون للتعاون. وتشارك الشركات الأجنبية في أكبر مشاريع الطاقة لدينا. وإن 26 بالمائة من النفط الذي يستخرج في روسيا ـ أرجو استيعاب هذا الرقم ـ 26 بالمائة من النفط الذي يستخرج في روسيا يعود لرأس المال الأجنبي. وحاولوا وقدموا لي مثالا على وجود البزنس الروسي بمثل هذه السعة في القطاعات الأساسية من اقتصاد البلدان الغربية. لا وجود لمثل هذه الأمثلة! لا توجد أمثلة على هذا.

وأذكر أيضا بنسبة الاستثمارات التي تدفقت على روسيا ومن روسيا إلى بلدان العالم الآخر. وأن هذه النسبة تعادل 15 إلى واحد تقريبا. وهذا خير مثال على انفتاح واستقرار الاقتصاد الروسي.
إن الأمن الاقتصادي هو ميدان حيث يجدر بالجميع الالتزام بمبادئ واحدة. وإننا على استعداد للمنافسة بنزاهة.
فتتوفر لدى الاقتصاد الروسي إمكانيات متزايدة لذلك. ويثمن الخبراء وشركاؤنا الأجانب هذه الديناميكية بصورة موضوعية. فأرتقت سمعة روسيا مؤخرا في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي إذ انتقل بلدنا من مجموعة المجازفة الرابعة إلى الثالثة. وبودي استغلال الفرصة التي سنحت هنا في ميونيخ اليوم لتقديم شكري للزملاء الألمان على المساعدة في اتخاذ القرار الآنف الذكر. وكما تعرفون علاوة على ذلك أن عملية انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية وصلت إلى الطور الختامي. وبودي الإشارة إلى إننا سمعنا مرات خلال المفاوضات الطويلة والصعبة كلاما حول الحرية وحرية التعبير وحرية التجارة وحول الإمكانيات المتساوية ولكن هذا لا يطبق إلا بالنسبة لسوقنا الروسية.

وهناك موضوع هام آخر يؤثر بصورة مباشرة على الأمن العالمي. يكثر الحديث اليوم عن مكافحة الفقر. فماذا يحدث هنا في الحقيقة؟ من جانب تعتمد لبرامج مساعدة البلدان الأكثر فقرا الأموال وفي أحيان كثيرة مبالغ غير قليلة. ومع ذلك يجري هذا في الغالب – والكثيرون يعرفون هذه الحقيقة - على أساس استثمار هذه الأموال من قبل شركات البلدان المانحة نفسها. ومن جانب آخر تستمر البلدان المتطورة في دعم قطاع الزراعة الوطنية. كما يجري فيها الحد من وصول الآخرين إلى التكنولوجيات الراقية.

ولنضع النقاط على الحروف: الحاصل هو أن تقدم "مساعدات إنسانية" بيد واحدة وبالأخرى لا يحافظ على التخلف الاقتصادي فحسب بل وتجنى أرباح. ويتمخض التوتر الاجتماعي الناشئ في هذه المناطق المتخلفة حتما عن تنامي التشدد والتطرف ويغذي الإرهاب والنزاعات المحلية. وإذا كان كل هذا يحدث بالإضافة إلى ذلك على سبيل المثال في الشرق الأوسط في ظروف تفاقم تقبل العالم الخارجي باعتباره غير عادل، فينشأ خطر يهدد الاستقرار العالمي.

وعلى ما يبدو، يجب على بلدان العالم الكبرى لمس هذا الخطر. وبالتالي إقامة نظام علاقات اقتصادية في العالم عادل وديمقراطي أكثر ـ نظام يوفر للجميع فرص وإمكانيات التطور.
ولدى التحدث في مؤتمر الأمن لا يجوز أيها السيدات والسادة المحترمون غض النظر عن نشاطات منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. فمن المعروف أنها أسست من أجل النظر في كافة جوانب الأمن وأؤكد هذا ـ كافة الجوانب: العسكرية السياسية والاقتصادية والإنسانية والترابط بينها علاوة على ذلك.

فماذا نرى اليوم عمليا؟ إننا نرى أنه يوجد اختلال في هذا الميزان بكل جلاء. فتجري محاولات رامية لتحويل منظمة الأمن والتعاون الأوروبي إلى وسيلة مبتذلة لضمان المصالح السياسية الخارجية لبلد أو مجموعة من البلدان تجاه البلدان الأخرى. ولتسهيل تنفيذ هذه المهمة "جرى تصميم" هيكل الجهاز البيروقراطي لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي الذي لا تربطه أي رابطة على الإطلاق بالدول المؤسسة. وجرى في إطار هذه المهمة وضع إجراءات اتخاذ القرارات واستخدام ما يسمى "بالمنظمات غير الحكومية"، ورسميا مستقلة ولكنها تمول بشكل هادف وبالتالي إنها خاضعة للرقابة.
ووفقا للوثائق الأساسية فإن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي مدعوة إلى تقديم المساعدة في الميدان الإنساني للبلدان الأعضاء بناء على طلبها لمراعاة الأحكام والقواعد الدولية في مجال حقوق الإنسان. وهذه مهمة هامة. وإننا نؤيدها. ولكن هذا لا يعني على الإطلاق التدخل في شؤون البلدان الأخرى الداخلية ناهيك عن أن يفرض على هذه الدول كيف يجب أن تعيش وأن تتطور.

إذ من الواضح أن مثل هذا التدخل لا يساعد أبدا على نشوء دول ديمقراطية حقا. وإنما على العكس يجعلها تابعة وبالتالي غير مستقرة من الناحية السياسية والاقتصادية.
وإننا نأمل أن تسترشد منظمة الأمن والتعاون الأوروبي بمهماتها المباشرة وأن تبني العلاقات مع الدول ذات السيادة على أساس الاحترام والثقة والشفافية.

السيدات والسادة المحترمون!
وفى الختام أود الإشارة إلى الآتي. إننا - وأنا شخصيا - كثيرا جدا ما نسمع نداءات موجهة إلى روسيا من جانب شركائنا بما في ذلك من جانب شركائنا الأوروبيين للقيام بدور فعال أكثر وأكثر في الأمور العالمية.
_ وبهذا الصدد أسمحوا لي بتقديم ملاحظة صغيرة جدا. هيهات أننا نحتاج إلى دفعنا وحفزنا على هذا. فإن روسيا - ذلك البلد الذي يمتد تاريخه إلى أكثر من ألف سنة - كانت على الدوام عمليا تتميز بممارسة سياسة خارجية مستقلة.

وإننا لا ننوي تغيير هذا التقليد اليوم أيضا. ولكننا نرى جيدا في نفس الوقت كيف تغير العالم ونقيم بشكل واقعي إمكانياتنا وقدراتنا. كما نود بالطبع التفاعل مع شركاء مسؤولين ومستقلين أيضا بوسعنا العمل سوية معهم على إقامة نظام عالمي ديمقراطي وعادل ضامنين في غضون ذلك فيه الأمن والازدهار لا للنخب وإنما للجميع.

وأشكركم على إنصاتكم.