قبل 15 سنة، بعد مؤتمر مدريد، أدركت سورية ان جزءا كبيرا من العالم العربي يفضل السلام مع اسرائيل. كان استنتاج حافظ الأسد ان سورية يجب أن تصل الي توازن استراتيجي مع اسرائيل. أي أن تكون لها القدرة علي بلوغ انجاز في الحرب وإن لم يكن لسورية شركاء فيها.

كانت الترجمة العملية اعداد هجوم مفاجيء تكون أهدافه احتلال جزء ملحوظ من هضبة الجولان. قد يكون الانجاز العسكري محدودا لكنه سيكون مثيرا للانطباع بقدر يكفي لأن يفضي آخر الامر الي تسوية سياسية تضطر فيها اسرائيل الي التخلي عن الجولان.

قُبيل نهاية التسعينيات غيّر الأسد الأب الاستراتيجية. أدرك انه في أعقاب سقوط الاتحاد السوفييتي زاد الفرق العسكري لمصلحة اسرائيل. لم يعد الخيار العسكري يبدو واقعيا. استجاب الأسد لتوجهي كلينتون وباراك وأجري تفاوضا في اتفاق سلام شامل. منع خلاف في 400 متر من منطقة طبرية ذلك الاتفاق.

منذ آذار (مارس) 2000 والسوريون في خيبة أمل كبيرة. فمن جهة لا يمكن التوصل الي سلام مع اسرائيل، ومن جهة ثانية لا يُري الخيار العسكري عمليا. من جهة اسرائيل كانت هذه السنون (من 2000 ـ 2006) مريحة جدا. لم يُستعمل ضغط سياسي، ولم يبدُ امكان حرب، وواصلت الحدود الاسرائيلية ـ السورية كونها اهدأ من جميع الحدود. السياسة السورية الحالية نتاج الأحداث التي حدثت في العامين الأخيرين. في سنة 2005 اضطر السوريون بضغط دولي (كانت اسرائيل مشاركة فيه من وراء ستار) الي اخراج قواتهم من لبنان. تم المس بهدفهم الرئيسي منذ 1976 ـ وهو حفاظهم علي السيطرة السياسية والربح الاقتصادي من لبنان ـ مسا شديدا.

انتقل مركز الجهد السياسي السوري في أعقاب ذلك من الحفاظ علي الكنز اللبناني الذي فُقد الي محاولة احراز كنز آخر هو الجولان.

كان الحدث الثاني الأعظم خطرا هو حرب لبنان الثانية فقد جعل انتصار حزب الله جزءا من رؤساء الجيش السوري يخلصون الي استنتاج انه يمكن الوصول الي انجاز عسكري ذي شأن في مواجهة اسرائيل.

هذان الحادثان كما قيل آنفا هما اللذان يُفسران السياسة السورية الحالية التي تعني ما يلي: سورية مصممة علي ان تستعيد لنفسها هضبة الجولان. الأفضلية الاولي هي صنع ذلك باجراء سياسي لكن اذا أصرت اسرائيل علي رفضها فانه ينبغي ان تعلم (ولتعلم الولايات المتحدة ايضا) أن الخيار العسكري عاد ليكون طريقا ممكنة.

ان الصورة المعلنة والمبرزة التي وصفت عليها دمشق دخول سلاح الجو الاسرائيلي سماء سورية ترمي الي ان تخدم هذه السياسة بالضبط. فمن جهة تأكيد العدوان الاسرائيلي بازاء رسائل السلام السورية، ومن جهة ثانية اذا أرادت سورية وعندما تريد المبادرة الي اجراء عسكري مضاد لاسرائيل، سيُسجل النقض الأخير من قبلنا في الميزان بمنزلة تحرش اسرائيلي آخر اضطرنا الي الرد .

يبدو في الملخص ان سورية كاسرائيل غير معنية بمواجهة عسكرية الآن بيد أنه بخلاف السنين الحسنة من 2000 الي 2006 أصبح الخيار العسكري، الذي اعتُبر غير ممكن، أصبح الآن غير مُراد أو غير مفضل. والفرق واضح.

مصادر
يديعوت أحرنوت (الدولة العبرية)