خالد طه "ابو رامي" مواطن فلسطيني من مدينة سلفيت، لم يدعه الاحتلال ينعم بحياة هانئة مع أسرته ويقوم بتربية أطفاله الأربعة كبقية أطفال العالم، رصاصة واحدة كانت كفيلة بأن تحول حياة الأسرة والأطفال الأربعة إلى أيتام يشكون ظلم الاحتلال .

الأطفال الأربعة عند موائد الإفطار في رمضان يفتقدون والدهم ويسأل راني أمه "ماذا يأكل أبي الآن في الجنة يا أمي " وسط دموع أم صابرة محتسبة عند الله.

رصاصة دمدم

بابتسامة ممزوجة بحزنها الدفين استقبلت أم رامي الوفد الصحفي الذي توجه للقائها وعيونها تكاد تنطق بكل ما بها من شجون وألم وحنين ودموع مكابرة تكاد تسقط على وجنتيها لتشي بما ألم بها بعد استشهاد زوجها ونظرات ألمٍ تروي قصة عذاب مريرة وأطفالها بعمر الزهور يحيطون بها ينشدون الأمان المفقود تتراجع الكلمات وتضيع عاجزةً عن وصف الصبر والصمود لامرأة في مقتبل العمر استشهد زوجها وترك لها أطفالها الصغار.

سلام ماضي 29 عاماً, أم لأربعة أطفال (مريم 11عام, رامي 9 أعوام, راني 6 أعوام, طه 3 سنوات), استشهد زوجها بعمر 36 عاما وبرصاص القوات الخاصة أثناء اجتياحها لمدينة سلفيت بحجة مطاردة مطلوبين لدى الاحتلال حيث أطلقوا عليه النار بدم بارد أثناء ملاحقتهم للمطلوبين واستشهد اثر إصابته برصاصة دمدم بعد أن أدى صلاة العشاء في المسجد الكبير بجوار منزله.

حادثة الاستشهاد

" المسؤولية كبيرة وأعباء الحياة لا تتوقف وتزيد يوم عن يوم" بدموع الحسرة التي سكنت عيونها منذ استشهاد زوجها تتحدث سلام ماضي لمدير مكتب السهل للصحافة والإعلام بسلفيت عن قصة استشهاد زوجها وتقول:

كنت عنده في المحل الذي يعمل به وطلبت منه ان يحضر للبيت لمساعدة الاولاد في دروسهم, أتى ومن ثم تذكرت عدم وجود خبز للعشاء فذهب ليحضر الخبز، وما لبثت أن وصلت البيت لتوي حتى سمعت اطلاق نار شديد بالقرب من المنزل" وتتنهد سلام بشجن وتتابع حديثها وما إن خرجت هرعة من المنزل حتى رأيت خالد ملقى على الارض يناديني ويقول( تعالي ياسلام الحقيني اتصاوبت... اتصاوبت...) أدخلته الى المنزل وخرجت اصرخ واصرخ ليأتي احد لمساعدتي.

لحظات الاستشهاد

تتابع سلام الحديث عن لحظة استشهاد زوجها : بعد أن سمع الجيران والناس صراخي هرعوا إلى منزلنا وأحضروا سيارة الإسعاف التي أقلتني وزوجي المصاب الى المشفى، كنت أجلس بجانبه وأمسك بيده وأقول له (ما تروح يا خالد وتتركنا.. لمين بدك تتركنا... وأبكي) فأمسك يدي وضغط عليها وبصعوبة في الكلام أوصاني بالأولاد وأدار وجهه ونزلت دموعه ثم تشهد وسكن... حينها أحسست أنه رحل..., وعند وصولنا المشفى قام الأطباء بمحاولة يائسة لإسعاف خالد الذي كان قد فارق الحياة واستشهد, وسمعت الأطباء يتحدثون عن رصاصة دمدم أصابت خالد في بطنه وتسببت بنزيف داخلي.

مسؤولية كبيرة وعبءٌ ثقيل

في أول سنة من استشهاده تتابع ام رامي كنت اتخيل انه قادم دوما, كلما قرع الجرس تخيلته هو وتقول كانت السنة الأولى من استشهاده هي الأصعب, كنت اشعر بالخوف الشديد خاصة عندما يحل الظلام فانا وحيدة مع ابنائي لم نعتاد ان يبتعد خالد عنا, لكنني شعرت انه لابد من الثبات واعتمادي على نفسي، أحيانا كثيرة أتمنى الشعور بالراحة والاستقرار والأمان، لكن مشاغل الحياة والمسؤوليات تغمرني، فلا أجد وسيلة للتفريغ عن نفسي سوى البكاء, فأبكي وأبكي لساعات طويلة .

وتستأنف سلام وصفها للوضع الذي آلت إليه بعد استشهاد زوجها المسؤولية الملقاة على عاتقي كبرت وتكبر يوم عن يوم، فأنا المسئولة عن كل ما يتعلق بالبيت والأولاد، كان خالد يحمل الجزء الأكبر من الأعباء، أما بعد استشهاده فاضحى كل شيء مطلوب مني البيت، والمدرسة، والأولاد، والسوق وحاجات المنزل ومع ذلك ما يصبرني هو نموذج أم فرحات أم الشهداء الثلاثة وغيرها من زوجات الشهداء الأبطال.

معاناة الأبناء

وتقول سلام خلال لقائها مع مدير مكتب السهل للاعلام : لقد تأثر الاولاد كثيرأ باستشهاد والدهم خاصة أنهم لازالوا صغار فأكبرهم مريم عمرها 11عام وأصغرهم طه 3 سنوات والذي لم يكن يتجاوز الأربعين يوم عند استشهاد والده, نفسياتهم أصبحت مضطربة خاصة رامي الذي شاهد حادثة استشهاد والده، ولم يستوعبها حتى هذه اللحظة إنهم يفتقدونه كثيراً في يوم العيد يستيقظون باكراً ككل الأطفال, لكنهم يرتدون ملابس العيد ويذهبون لقبر والدهم بدلاً من الذهاب للعب مع اقرنائهم إذا عاقبتهم أو وبختهم يسرعون بالخروج الى القبر يحدثون والدهم ويبكون.

وتتابع" أفكاري دائماً مشغولة بخصوص الأولاد ومستقبلهم اشعر بالقلق تجاههم, أتمنى من الله أن يعوضني خيرا وأجرا حسنا.

بتلك الأمنية ختمت سلام حديثها لمدير مكتب السهل للاعلام وبنفس الابتسامة الممزوجة بالحزن والألم تودعنا, نخرج من المنزل ومعنا تفاصيل استشهاد زوجها كواحدة من بين آلاف الحالات المشابهة في فلسطين ونتركها مع حزنٍ وعذابات سنين نغادر لتبقى هي مع تفاصيل قصتها المليئة بالصبر والتحدي والإصرار والرباط ، وتبقى شامخة واقفة كزيتون فلسطين، رغم الصعوبات والألم والجراح منتظرة الأجر والثواب من عند من لا تضيع ودائعه.