أياً يكن شكل البيان الصادر عن اجتماع اسطنبول بشأن لبنان ومضمونه. . وأياً تكن طبيعة اللقاء بين كونداليسا رايس ووليد المعلم ومضمونه. . هناك سؤال حائر يحتاج الى جواب منطقي: ماذا ينتظر اللبنانيون والعرب والغرب من سوريا في مجال الاستحقاق الرئاسي؟

يقولون إنهم يريدون منها عدم التدخل في هذا الاستحقاق . أعلنت دمشق أنها لن تتدخل، لكن أحداً من هؤلاء لم يصدق ذلك. وليس صحيحاً أن خصوم سوريا يرفضون تدخلها. هم يريدون منها التدخل وبقوة، واجبار حلفائها على حضور جلسة الانتخاب وإفساح المجال للأكثرية أن تنتخب الرئيس الذي تريد. ونفترض ان وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير طلب ذلك الى نظيره السوري وليد المعلم يوم الجمعة في اسطنبول. لكن وزير الخارجية السورية أعلن صراحة ان مثل هذا الطلب هو نوع من الوهم. وعند هذا الحد يبدو واضحاً أن المطلوب من سوريا ان تتدخل وألا تتدخل في الوقت عينه. المشهد سوريالي بالطبع ويستدعي الكثير من السخرية.

وإمعانا في السوريالية: هناك ثلاث قوى نيابية اساسية في المعارضة هي «كتلة التحرير والتنمية» التي يرأسها الرئيس نبيه بري، و«كتلة الوفاء للمقاومة» التي يتزعمها حزب الله، و«تكتل التغيير والإصلاح» برئاسة العماد ميشال عون. وتستطيع هذه الكتل أن تكمل نصاب الثلثين. بل أكثر من ذلك هي تؤمن إجماعاً نيابياً شبه كامل اذا قررت الحضور. لكنها تعرف سلفاً أن الاكثرية ستختار رئيساً منها في الدورة الثانية بالتأكيد، وهذا أمر بديهي لا يختلف عليه اثنان. وبالتأكيد إن المعارضة الممثلة بهذه الكتل لا تريد ذلك، ومن حقها أن تقاطع الجلسة، وما من قانون او ضمير يجبرها على ذلك، على الرغم من الاجتهادات الدستورية السخيفة التي تقول بإجبار النائب على حضور جلسة الانتخاب.

في هذه الحالة، لنفترض جدلاً وبكل بساطة وتبسيط، ان الرئيس بشار الاسد، الحليف المفترض لهذه القوى، أمسك بسماعة الهاتف واتصل بالرئيس بري والسيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون وطلب اليهم المشاركة في جلسة الانتخاب، سواء من باب التمني ام من منطق الفرض والإجبار. أفلا يعد ذلك في منطق السيادة والحرية والاستقلال تدخلا سافرا في الشأن اللبناني الداخلي؟ ثم من يضمن تجاوب هذه القوى مع مثل هذا الطلب المفترض؟ ثم من قال ان «حلفاء سوريا» في لبنان أقل تشدداً منها في الموضوع الرئاسي؟

في النتيجة، ان سوريا لن تقدم على هذا الطلب، ليس لأنها لا تريد ان تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي، بل لأنها ليست جمعية خيرية توزع مساعدات بالمجان، في مرحلة ترى فيها نفسها محاصرة من اكثر من جهة. حتى ان مجرد النقاش في هذا الموضوع يدعو الى السخرية. فالجميع يعرف جيداً ان المقابل الذي يعرض على سوريا «لتحسين سلوكها» كما يطلب الغرب وبعض العرب، لم يبلغ حتى الآن مرحلة الاغراءات، بل ان كل ما يعرض عليها هو تهديدات وتحذيرات وتلويح بالحرب والويل والثبور وعظائم الأمور.

تعرف المعارضة جيدا ان التصويب على سوريا ليس اكثر من ذريعة للتهرب من التوافق معها على الرئيس. وتعرف أيضا ان المطلوب من سوريا، أكبر من «دوزنة» رئيس للبنان لن يقدم او يؤخر في حيثيات المشروع الاميركي في المنطقة. ليس المطلوب من سوريا (أميركيا) الضغط على المعارضة في لبنان، بل المطلوب ان يكون لبنان ورقة الضغط على سوريا. وقد أبلغ وليد المعلم نظيره الفرنسي «ان المشكلة ليست في سوريا بل هي في واشنطن. فمن يرفض المرشح التوافقي ومبادرة بري وصفير ولقاء عون والحريري، هو الذي يقف ضد الاستقرار في لبنان». ولا شك في ان كوشنير فهم الرسالة السورية جيداً، وبات لزاماً على فرنسا واوروبا بشكل عام إقناع الولايات المتحدة بأن لبنان الذي تريد ليس في متناول اليد، إلا إذا كانت تريد عراقاً ثانياً في المنطقة. عندها لا حول ولا قوة إلا بالله!

مصادر
السفير (لبنان)