الهيئة العامة للكتاب في سورية تصدر مشروعها للعام 2008 عذراً أيها الفأر جيري، فأنا تابعتك حتى وأنا في عمري هذا الذي قارب النصف قرن، وأعرف انك ذكي،

الهيئة العامة للكتاب في سورية تصدر مشروعها للعام 2008

عذراً أيها الفأر جيري، فأنا تابعتك حتى وأنا في عمري هذا الذي قارب النصف قرن، وأعرف انك ذكي، كما أعرف أنك تخطط لتنال من تومي بطريقة ذكية ولا أريد أن أنتقص من مقامك، لكنه المثل العربي، وتمنيت أن أقول أن المولود ليس أكثر من مسخ.

ها هي الهيئة العامة للكتاب قد مضى على تشكيلها ما يقرب من العام والنصف، وليس من مشروع ثقافي يحكمها، وبعد مخاضاستمر طويلاً ، أطلت علينا بمشروع هو أكثر من مسخ ، فخطة النشر التي وزعها الدكتور عبد النبي اصطيف على أعضاء مجلس الإدارة للعام 2008 هي التالية:

دليل الكتابة والكتاب في سورية، وهو شبيه بتلك الكتب التي تصدر عن اتحاد الكتاب العرب، وكأن الدكتور اصطيف قد استكثر على نفسه رئاسة هيئة عامة للكتاب، لذا بقي في عباءة الاتحاد الذي لا يغني ولا ويسمن من جوع.

كما تضمنت الخطة طباعة كتاب موسيقيو الشام، وفنانو بلاد الشام، وعلماء بلاد الشام، وترجمة الروائع العالمية، دون أن يحدد هذه الروائع، ولا المقاييس التي تحدد هذه الروائع، ولعمري رئيس هيئة مشغول بسلسلة وطننا العربي سكاناً وجغرافيا، ستكون مقاييسه لهذه الروائع أشبه بحقل فوسفات تائه في صحراء عربية ما، أو ستكون أشبه بأظافر مغنية استعارتها من بيت تجميل لتصلح لغلاف كتاب هو في خطة الهيئة العامة للكتاب عنوانه: كيف تعتني بجسدك؟

ولعل المتتبع للكتب التي صدرت بعد تسلم عبد النبي اصطيف للهيئة، سوف يلمس كيف أن الدكتور لم يحمل أي مشروع ثقافي من شأنه أن يرتقي بالكتاب السوري الصادر عن وزارة الثقافة، هذا الكتاب الذي شكل في مرحلة ما منارة للكتاب العربي، خاصة في إطار مشروع الترجمة الذي أطلقته الدكتورة نجاح العطار إبان تسلمها لوزارة الثقافة، والذي أجهض إبان تسلم مها قنوت للوزارة، لتنعيه بعد ذلك الدكتورة نجوى قصاب حسن، ويهمله الدكتور محمود السيد من بعد.

ومن العناوين التي صدرت عن الهيئة: الجزء الأول من كتابات شاكر الفحام باسم "قطوف دانية"، والكتاب ليس أكثر من كلمات كان قد ألقاها شاكر الفحام في مناسبات لاتهم الثقافة في شيء، أو نعوات لموتى، أو كلمات ترحيب في مناسبات لا علاقة لها بالحالة الثقافية.كما صدر مجموعة قصصية لعادل أبو شنب ذكر اسم الكاتب في المجموعة مرتين، بينما حرص الدكتور اصطيف على أن يرد اسمه فيها مرات ثلاث، في إطار التقديم، والتعريف بالهيئة، ومنصبه على غلاف الكتاب لكونه صادر عن الهيئة.

كما طبع في زمنه مجموعة شعرية لفؤاد نعيسة، بالإضافة إلى كتاب لرئيس الهيئة تحت عنوان "العرب والأدب المقارن"، وهو ليس أكثر من مقالات منشورة سابقاً في المجلات والصحف. وقد جاء في الكتاب سيرة الكاتب الذاتية لمرتين، مرة في المقدمة، ومرة في الخاتمة.

على أني لا أريد التوقف هنا إلا في مقام الخطة لعام 2008 ، خاصة وأن دمشق هي عاصمة الثقافة العربية لذلك العام.

لست ضد أعلام الفن والموسيقا العرب، لكن ألا يجدر بوزارة الثقافة، والهيئة العامة للكتاب، أن ترتقي إلى مصاف الهم الثقافي الحقيقي، أم أن الواقع الثقافي، والبرامج الثقافية هي من الغنى، بحيث لم يتبقى أمامنا هم سوى العناية بالجسم؟

لماذا لا تفيد الهيئة من طاقات لديها، قادرة على وضع خطة ثقافية للكتاب من شأنها أن تعيد للكتاب السوري ألقه؟ اليس الدكتور كريم أبو حلاوة، وهو من عرفناه في إطار البحث العلمي الاجتماعي وصاحب كتاب المجتمع المدني بقادر على أن يتلمس حاجة المواطن الثقافية، وهو من يشغل مدير التأليف في الهيئة، لماذا لا تطلق طاقاته، كما شهدناها في مجلة الدراسات الاستراتيجية لسنوات عديدة، لماذا لا تترك الروائع العالمية لمن هو أخبر بها، فالمثل يقول :أعط الخبز لخبازته حتى لو أكلت نصفه، فكيف إذا كانت الخبازة من أهل الدار، ومهمومة بالثقافة، ولديها مشروع حريصة كل الحرص على إنجازه، طبعاً أقصد هنا الدكتور ثائر ديب، الذي عرفنا على هومي بابا، وعلى بؤس البنيوية، وسيرة الله وجاك الإبن، وإدوارد سعيد، والكثير الكثير من الترجمات التي لست بصدد ذكرها الآن، وثائر ديب هو رئيس مديرية الترجمة في الهيئة، وسبق للدكتور ثائر ديب أن أشار في مقابلة له في صحيفة تشرين إلى بعض مشاريعه في المديرية والتي تتضمن: مجلة عن دراسات الترجمة، ومسابقة للترجمة باسم المترجم سامي الدروبي، إضافة إلى سلسلة تراث الترجمة، وقد سبق له في غير مقام أن حدثني عن مشروع للترجمة عن النسوية وعن لغات العالم أسوة بالمركز القومي للترجمة في مصر. بالإضافة إلى طاقات في الترجمة يمثلها كل من صالح علماني، الذي نقل إلى العربية عيون الأدب في أمريكا اللاتينية، هل يكفي أن أذكر هنا ماركيز، والليندي إيزابيل. بالإضافة أيضاً إلى الروائي والمترجم عن الروسية خليل الرز.

هذه طاقات لعمري لو وجدت في مكان يملك استرتيجية ثقافية، لأبدعت وتفوقت، وقدمت لنا ما نحن بأمس الحاجة إليه من زاد ثقافي بات العالم اليوم محموماً لامتلاكه.

والسؤال الممض: لماذا يكبل مدير الهيئة العامة للكتاب هذه الطاقات؟ لماذا يؤطرها بمشروع هو من القرن التاسع عشر؟إلى أين يريد مدير الهيئة أن يمضي بهذه المؤسسة التي كانت حلم كل مثقف سوري وعربي؟ نحن لا نحتاج إلى اتحاد كتاب عرب ثاني، أو كركتر مسخ لإصدارات اتحاد الكتاب العرب، نريد بالحد الأدنى أن نعود إلى زمن الدكتورة نجاح العطار حتى لا يقال أننا طماعين. وليدفع الدكتور اصطيف بخطته إلى أدراجه المقفلة كما سبق ووصفه الزميل خليل صويلح في مقال له.

أم قدرنا أن نقف على الأطلال ونبكي على الماضي؟ حقاً هذا هو حالنا في المسرح والسينما والتأليف والترجمة. وحتى لا تعمى أبصارنا من البكاء على الأطلال، حتى لا نفقد بصيرتنا ونحن نبحث عما يجعل الجسد أقل أو أكثر بدانة، حتى لا نتوه في جغرافيا العرب، ولغاتهم المحلية، ولا يسرقني موسيقي عربي من همي الثقافي، ويمزقني على أوتار قيثارته، حتى لا نصبح مجرد لون كاب على لوحة فنان عربي، أصرخ أنقذوا الثقافة والكتاب.

مصادر
ايلاف