في زيارة وصفت بالمفاجئة، قام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بالذهاب إلى دمشق، في زيارة قصيرة استغرقت ساعات، وكان في مقدمة مستقبليه في قصر "الشعب" بدمشق الرئيس السوري، بشار الأسد.

لم يتضح السبب الرئيس لهذه الزيارة، خاصة وأن التصريحات الرسمية التي صدرت عن العاصمتين كانت مقتضبة ولم تغن من جوع.. إذ اكتفيا بالقول : إنها جاءت للتباحث حول عملية السلام، والوضع في العراق ولبنان، حسبما ذكرته وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" ، وحسب مصادر الديوان الملكي الهاشمي، فإن الزيارة جاءت في إطار الحرص الأردني على أهمية مشاركة سوريا في الجهود العربية !!! الرامية لمجابهة مختلف التحديات التي تواجه الأمة العربية .

الزيارة القصيرة التي لم يعلن عنها من قبل، جاءت في جو تحيطه مساع تصالحية ــ عربية عربية ــ من أجل تحسين العلاقات المتوترة، وإنهاء ملفات قديمة مشحونة بالخلافات بين الأنظمة العربية استمرت لسنين.. وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها العاهل الأردني إلى سوريا منذ نحو أربعة أعوام، إذ كانت العلاقات الأردنية السورية قد شهدت فتوراً خلال الأعوام الأخيرة، بسبب عدد من الملفات والقضايا السياسية الخلافية بين البلدين .

وكان قد سبق للزعيمين السوري والأردني الفشل في تطويق الخلافات القديمة بين بلديهما ، ومن أهمها الخلافات حول : ملف المياه، وملف المعتقلين السياسيين الأردنيين في المعتقلات السورية.. وذلك ضمن جهود بذلت في إطار "اللجنة العليا الأردنية-السورية المشتركة" .

وموضوع المياه العالق بين الأردن وسوريا موضوع قديم، تحكمه اتفاقات ومواثيق ثنائية ودولية، وهو موضوع ساخن بينما التعامل معه كان يتسم بالبرود.. إذ يعتقد الأردن أن له حقوق مائية مستحقة بذمة سوريا لايحصل عليها كاملة، وأحيانا يحصل على جزء منها بالقطارة وبشق الأنفس تبعاً للظروف السياسية ولبارومتر العلاقات الثنائية بينهما، حيث تسيطر سوريا على مصب نهر اليرموك ــ أهم روافد نهر الأردن ــ وعلى كمية التدفق منه .

وتتهم عمان دمشق ببناء عدد من السدود لحجز مياه الأمطار ، مما يحول دون جريانها في الأودية ويحرم الأردن من الاستفادة منها في تعزيز مخزونه، علاوة على التفاصيل المتعلقة بسد الوحدة.

بينما تعتقد سوريا ــ من جهتها ــ أنها قدمت للأردن "أكثر من التزاماتها" وبالتالي لن تقدم المزيد وترى دمشق أن ادعاءات عمان تمثل فقط في مجملها "وسيلة ضغط سياسية على سوريا". وبينما تحكم البلدين اتفاقية مشتركة تم توقيعها عام 1987، يقول الأردن أنها لا تخدم مصالحه في الأساس، كما أن سوريا تقوم ببناء مجموعة من السدود التي تحجز مياه اليرموك وتقلص تدفقها إلى الأردن. ما دفع عمان إلى القول : إن إسرائيل ملتزمة بالاتفاقيات المائية معها، بينما لا تلتزم سوريا بذلك.

وهناك خلافات حدودية كانت قائمة بين الدولتين، تم تطويقها نوعياً عام 2006 أنهت تداخلاً سورياً في الأراضي الأردنية بمساحة 125 كيلومتراً، وتدخلاً أردنياً في الأراضي السورية بمساحة 5 ,2 كيلومتر. كما اتفقا على إنهاء التجاوزات ذات الطابع العسكري والأمني والتجاوزات الأخرى على أراضي البلدين، وعقدا اتفاقية حسن جوار تعالج العلاقات الحدودية، وتسهل استثمار ملكيات مواطني الطرفين الحدودية في أراضي الطرف الآخر، وتسجيلها بأسماء أصحابها.

وتأتي الزيارة الحالية أيضاً في جو تستعد فيه العواصم العربية لإستعادة ذاكرتها حول مؤتمرات السلام الدولية بشأن القضية الرئيسة في الشرق الأوسط (قضية الصراع العربي الإسرائيلي). إذ أنها تأتي قبل أيام من انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة حيث ستتم مناقشة سبل ايجاد موقف عربي موحد حيال مؤتمر السلام الدولي في "انابوليس" والمنوي عقده أواخر شهر نوفمبر الجاري.

وكانت سوريا قد أبدت رفضها المشاركة في هذا المؤتمر ــ الذي ترعاه الولايات المتحدة ــ ما لم يتضمن جدول أعماله المفاوضات حول هضبة "الجولان" التي تحتلها إسرائيل منذ حرب 1967، بينما تبدي دولة الاحتلال الصهيوني الرغبة القوية في حضور دمشق، ولذلك لم يستبعد المراقبون أن تكون حقيبة العاهل الأردني تحوي رسالة ما إلى الأسد ربما تكون سبباً في أن تطأ الأقدام السورية ساحة "انابوليس".

ويمثل كل من الأردن وسوريا محورين عربيين متناقضين على الساحة السياسة العربية والدولية، الأول محور الاعتدال المتحالف مع واشنطن ومن أعضائه الأردن بالإضافة إلى (مصر، والسعودية ، ودول الخليج).

والثاني محور الشر أو المجابهة المعادي للترتيبات الأمريكية في المنطقة والعالم ومن أعضائه سوريا بالإضافة إلى (إيران ، وحزب الله ، وفصائل المقاومة الفلسطينية).

وكانت تقارير سابقة قد تحدثت بشأن مساعي تقريب ووساطة بذلت بين النظامين، قام بها عاهل السعودية الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ قبل القمة العربية الأخيرة في الرياض ــ إلا أنها لم تكلل بالنجاح أو لم تتم بالقدر الكافي على تجاوز الخلافات على ما يبدو.

وتحدثت أوساط صحفية ودبلوماسية عن جهود أخرى بذلتها القاهرة، كانت قد بدأت بلقاء الرئيس المصري حسني مبارك الملك الأردني عبدالله الثاني، إلا أن الرئيس الأسد تلقى اتصالا هاتفيا من مبارك ــ حسبما نقلت وكالة "يونايتد برس انترناشونال" عن مسؤول مصري، قوله : إن القمة بين الرئيسين قد أُلغيت "بسبب عدم رغبة الأردن في تدخل مصري لحل المشكلات العالقة بين عمان ودمشق".

وهو ما علقت عليه مصادر الأردن الصحفية، بالقول : إن قيادة البلدين (الأردن وسوريا) "فضلت إبقاء المسألة بعيداً عن الإعلام حتى لا تعمق الفضائيات الخلافات وتصب الزيت على النار". مضيفة : "أيا كان حجم الخلاف بين البلدين فإن أفضل الطرق لحله هو الحوار المباشر بين القيادتين, فالعلاقة لم تصل إلى مرحلة القطيعة كي يتدخل الوسطاء لوصلها".