من حق الرئيس السوري بشّار الأسد ان يخرج على الملأ داعياً المجتمع العربي والدولي الى موقف واضح وصريح لا يحتمل اللون الرمادي: هل يريد العالم من سوريا ان تتدخل في لبنان لتأمين انتخاب رئيس للجمهورية.. أم لا؟

في الواقع يبدو المشهد السياسي على هذه الضفة كاريكاتورياً وساخراً للغاية. ان مجرد استعراض المواقف السياسية يوم الاحد الماضي من القاهرة الى دمشق الى بيروت، يدفع الى الغثيان، ويدلل على ان ما يجري ليس فيه من السياسة الا التعبير عن حجم الارتباك الذي يعاني منه اللبنانيون والعرب والعالم حيال الأزمة اللبنانية التي استنزفت، هباء، جهداً عربياً ودولياً مضنياً، يوحي بأن لبنان البلد الصغير أصبح نقطة الارتكاز المحورية في العالم، وهو في الواقع ليس كذلك.

من القاهرة قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي: «حان الوقت كي تثبت سوريا بالأفعال ما لا تكف عن اعلانه في الخطابات. لن نجري اي اتصال مع سوريا ما لم تكن هناك أدلة على رغبتها في ان يتم انتخاب رئيس لبناني توافقي»، (اكدت الانباء امس ان أمين عام الرئاسة الفرنسية كلود غيان يواصل اتصالاته بوزير الخارجية السورية وليد المعلم).

ومن القاهرة ايضاً قال الرئيس المصري حسني مبارك: «أناشد سوريا ان تعمل على إيجاد حل لهذا الموضوع لأن لها التأثير الاقوى على الاطراف المتصارعة (اعطاها اكثر مما تستطيع).

ومن دمشق قال السيناتور الاميركي الجمهوري آرلين سبكتر بعد لقائه الرئيس الاسد: «هناك انطباع عالمي بأن لسوريا تأثيرا كبيرا ان لم يكن تحكماً بما يجري في لبنان». وتحدث السيناتور الاميركي عن وثيقة سورية فرنسية اطلع عليها في دمشق، وتشكل اساسا لإجراء انتخابات رئاسية في لبنان.

وفي بيروت كان رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري وبعض الوزراء في الحكومة ونواب في الاكثرية يشيدون بمواقف الرئيسين الفرنسي والمصري، ويعبرون عن غبطتهم بهذا الكلام الذي يشير الى ان سوريا هي مركز الحل والربط في الموضوع الرئاسي اللبناني.

على هامش هذه «العصفورية السياسية» يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:

اولا: إن مثل هذا الكلام الفرنسي المصري الاميركي اللبناني لا يزعج سوريا. ربما لا تريد سوريا اكثر من تتويجها ملكا على نواصي الازمة اللبنانية من خارج الحدود. بعد خروج جيشها وعسكرها ومخابراتها وكل وسائلها السياسية المباشرة من لبنان، بمثل ما خرجت به في ربيع عام .2005

ثانيا: من حق سوريا ان تعرف ماذا تريد ان تفعل؟هل تتدخل في لبنان ام لا تتدخل؟ اذ بعد كلام ساركوزي ومبارك والسناتور الاميركي لم يعد مستغربا ان تتقدم سوريا بمذكرة رسمية الى مجلس الامن الدولي، تطلب فيها استصدار قرار يتمنى عليها التدخل في لبنان، بما يمحو من الأذهان كل اثر للقرار (السعيد الذكر دوليا( صاحب الرقم .1559

ثالثا: مسكين الرئيس ساركوزي. ان حالته تدعو الى الرثاء. لقد ثبت ان تجربته في السياسة الخارجية ما تزال هشة، على عكس تجربته في الحب والغرام. فإذا كان مفهوما حجم التوتر الذي واكب كلامه في القاهرة عن سوريا، والناجم عن خيبة أمله ازاء الجهد الذي بذلته فرنسا في لبنان، فإن ما هو غير مفهوم حتى الآن، هو عدم إدراك زعيم دولي كرئيس فرنسا ان الولايات المتحدة استخدمته حتى آخر قطرة من عرقه، وأن سوريا اذا كانت في وارد بيع المواقف، فإنها لن تبيعها للوكيل بل للأصيل الذي يفترض انه صاحب الحل والربط في الجانب الاساسي من شؤون المنطقة.

ثمة من يهمس اليوم بخبث، ان سوريا مستعدة للعودة الى لبنان بقرار عربي دولي جامع لحسم الازمة اللبنانية. لكن سوريا اليوم لا تبدو بحاجة الى هذه العودة، طالما انها تحكم لبنان من خارج الحدود. أوليس كلام ساركوزي ومبارك والسناتور الاميركي يوحي بذلك؟

مصادر
السفير (لبنان)