دعا مصدر وزاري لبناني الى عدم الاستخفاف بتهديد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله وقادة المعارضة بإطلاق تحركات على الأرض ضد الحكومة اللبنانية، لكنه توقع ألا تحصل تطورات دراماتيكية على هذا الصعيد، لأن الذين يديرون اللعبة من الخارج يجنحون الى اعتماد استراتيجية تجميد الأوضاع في لبنان وإبقاء الفراغ، من دون تغييرات كبرى.

ويرى المصدر نفسه ان «فلتان الأوضاع الأمنية مستبعد، نظراً الى ان اللاعبين الخارجيين انخرطوا في مرحلة جديدة من الاتصالات والتفاوض بهذا القدر أو ذاك بحيث لا يرغبون في قيام وضع في لبنان يؤثر سلباً على هذا التفاوض وربما من مصلحتهم إبقاء الأمور على حالها الى ان يتضح مصير اللعبة الخارجية، على الأقل في الربيع المقبل». لكن المصدر لا يستبعد حصول حوادث أمنية خلال هذه المرحلة، وإن كان بعض المتشائمين يرى ان بعض الأحداث قد لا تكون قابلة للضبط مثلما حصل يومي الاثنين والثلثاء الماضيين في منطقة البسطا في بيروت حيث انفلتت المشاعر المحتقنة، مذهبياً نتيجة التعبئة المتواصلة لدى جمهور الأطراف المتناحرة. ويذكر المتشائمون بما قاله الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله عن انه غير قادر على ضبط الوضع اذا حصلت تحركات مقبلة «لأننا لسنا وحدنا على الأرض».

إلا ان المصدر الوزاري يقدم صورة للمشهد الخارجي، يعتبر انها هي التي تتحكم بالتطورات المستقبلية في لبنان بالتناغم مع تحضيرات لمعادلة جديدة على الصعيد الإقليمي، بدأت ملامحها تظهر من خلال تحركات قد تنتهي الى النجاح في التوصل الى صفقات، أو الى الفشل، «لكنها تحركات جدية يفترض رصد منحاها لمواكبة ما ستنتجه لبنانياً».

ويستند المصدر الوزاري الى تقرير ديبلوماسي غربي ورد الى بعض الجهات في بيروت عن معلومات أميركية، حول تقدم في المفاوضات الإسرائيلية – السورية في شأن الجولان خلال الأسابيع الماضية، عبر قنوات الوساطة التركية. وتستند المعلومات الأميركية في هذا التقرير الى لقاءات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت ذكر فيها ان هذا التقدم في مفاوضات السلام بين تل أبيب ودمشق تناول استرداد سورية الجولان، وأدى الى حسم مسائل عدة بنسبة كبيرة وأن الجانبين يتطلعان الى إمكان الإعلان عن نتائج هذا التقدم في شهر نيسان (ابريل) المقبل، إذا شهد المسار الفلسطيني – الإسرائيلي تقدماً بدوره، خصوصاً ان تعقيداته ما زالت صعبة المعالجة بين الجانبين، في ظل ضعف أولمرت، لأسباب كثيرة منها تجنبه تقديم تنازلات تؤثر على الائتلاف في حكومته.

ويستند المصدر الوزاري نفسه الى التقرير الديبلوماسي ليوضح ان إسرائيل استقوت في المفاوضات الجارية بعيداً من الأضواء بينها وبين سورية، وبرعاية تركية، بعاملين، هما الضربة الجوية التي نفذها سلاح الطيران لديها وقوات الكوماندوس على منشأة سورية قيد التحضير، مطلع شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، والتي لم تعلن إسرائيل عما حققته خلالها، وبموقف إسرائيلي آخر هو الحرص على عدم تغيير النظام في سورية، نظراً الى المخاوف من البدائل، ولعبها دوراً في اتصالاتها الأوروبية والأميركية في إبعاد هذا الخيار عن مراكز القرار الغربي، نظراً الى تأثيره على أمن حدودها. وعدم الإعلان الإسرائيلي عن استهداف الضربة الإسرائيلية لمنشأة قيل انها نووية، وأن فرق كوماندوس شاركت فيها لإبلاغ دمشق ان الدولة العبرية لن تغض النظر عن تحضير سورية لامتلاك إمكانات نووية كان هدفه، في المقابل عدم إحراج النظام في دمشق.

ويشير المصدر الوزاري الى انه بموازاة المفاوضات الثنائية الجارية، هناك مساع متعددة الأطراف تشارك فيها سورية من اجل تهيئة الظروف لتقدم على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ خفضت دمشق من نسبة الخصومة بينها وبين السلطة الوطنية الفلسطينية بزعامة «فتح» والرئيس محمود عباس، وتلعب دوراً في إقناع حركة «حماس» بالسعي الى تطبيع العلاقة مع السلطة، لأن لا بد لـ«حماس» من ان تواكب أي تقدم بين السلطة وإسرائيل.

النفوذ السوري والثمن لـ«حزب الله»

ويقول المصدر الوزاري ان أفق المحادثات السورية – الإسرائيلية، إذا كان سيؤدي الى استعادة الجولان، يفرض معالجة لملفات أخرى مهمة مرتبطة بالوضع اللبناني، منها قضية مزارع شبعا المحتلة وملف الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى «حزب الله» ومبادلتهما مع أسرى لبنانيين وعرب، وهذا سيتناغم مع حصول مبادلات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ومن الطبيعي في هذه الحال ألا يكون «حزب الله» مستعداً للمشاركة في مفاوضات على السلام مع إسرائيل، إلا أن التوصل الى معالجة مشكلة الجولان ومن ثم مزارع شبعا والأسرى، يطرح مسألتين مهمتين حكماً (ويبدو أنهما طرحتا في الكواليس الدولية والإقليمية) هما:

 مصير النفوذ السوري في لبنان بعد التقدم الذي تعتبر دمشق انها حققته في استعادة قوتها في لبنان إثر انسحاب قواتها العام 2005 وإصرار القيادة السورية على الإمساك بمفاصل القرار فيه عبر حلفائها.

 مصير سلاح «حزب الله» بعد التسوية: فهل يقبل الحزب بعد كل التضحيات التي قدمها أن يقتصر ثمن الاتجاه لنزع سلاحه بفعل التسوية، على استعادة مزارع شبعا والأسرى...؟ وفي هذا المجال ثمة توجه يدعو الى استباق كل الاحتمالات بالتوصل الى صيغة في التركيبة اللبنانية الداخلية تقضي بتكريس نفوذ الحزب الذي اكتسبه طوال السنوات الماضية على جميع الصعد، داخل السلطة السياسية. ومن هنا تكرار بعض قادة الحزب في تصريحاتهم حول موضوع الفراغ الرئاسي ورفض الأكثرية الشروط التي يضعها الحزب على إنهاء الفراغ بالقول: «ان القضية ليست قضية انتخاب رئيس أو مجرد تشكيل حكومة». وهو ما ترجمه السيد نصر الله في مقابلته التلفزيونية الأخيرة بالقول ان الثلث الضامن من الوزراء للمعارضة سيؤمن المشاركة في الحكم. والمعروف ان هذا الثلث يعطيه حق الفيتو في مسائل عدة، هذا فضلاً عن اقتراحات أحياناً تبدو خجولة وأخرى واضحة بالدعوة الى تعديل اتفاق الطائف إذ يعتبر بعض القوى التي تتحلق حول «حزب الله» ان الطائف «انتهى» ولا بد من صيغة جديدة.

ويرى المصدر ان بموازاة ما يجري على الصعيد الإقليمي، حيث نشهد تحضيراً لرسم نظام إقليمي جديد، لا تقتصر نواحيه على السلام مع إسرائيل، بل تتعداه الى صوغ أدوار جديدة لدول المنطقة، هناك توجه يرمي الى إعادة تركيب النظام السياسي في لبنان انسجاماً مع ما يتم إعداده للمنطقة. وهذا من الأمور التي تفسر تجميد الرئاسة في لبنان، الى الربيع، كما يقول بعض التقديرات، إذا كان الأمر مرتبطاً بالصياغات المطلوبة للوضع الداخلي بالتوازي مع الإعلان عن التقدم الحاصل بنسبة عالية على المسار السوري – الإسرائيلي.

أميركا ترفض وإسرائيل تقبل

وإزاء الأثمان التي تأمل سورية الحصول عليها، الى الجولان، من نفوذها في لبنان، يتحدث المصدر الوزاري نفسه استناداً الى التقرير الديبلوماسي عن المواقف الآتية:

 إن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت ترفض استعادة سورية نفوذها في لبنان كما في السابق. وحتى الآن يبدو موقف الإدارة الجمهورية برئاسة الرئيس جورج بوش على توافق مع الحزب الديموقراطي في هذا الصدد إذ ان الموقفين موحدان في شأن الوضع اللبناني. وتحرص واشنطن على التركيز على المسار الفلسطيني في عملية السلام وتعتبر بعد طول إهمال له أن التحول الذي يجب أن يحصل في المنطقة هو إحراز تقدم على هذا المسار، حتى إشعار آخر، من دون استبعاد العمل على المسار السوري.

 إن إسرائيل لا تمانع في عودة النفوذ السوري الى لبنان، حيث يشير المصدر الوزاري الى التقارير التي نشرتها الصحف الإسرائيلية عن انضمام وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني الى خيار السلام مع سورية بعدما كانت من معارضي الانفتاح عليها (خلافاً لوزير الدفاع إيهود باراك)، إذ طلبت من كبار مسؤولي الخارجية إعداد خطة للعام 2008، تشمل «السعي لإخراج سورية من المحور الراديكالي الذي يضمها مع إيران و «حزب الله» و «حماس». كما ان الصحف الإسرائيلية تحدثت عن نقاش في الأوساط القيادية الإسرائيلية حول عودة نفوذ دمشق الى لبنان وأن هناك موقفاً ايجابياً من هذه العودة عموماً، وان هناك اتجاهاً يرى في هذه العودة عنصراً يطمئن إسرائيل الى حدودها، بينما الاتجاه الثاني يسعى الى الحصول على ضمانات بإمكان ضبط «حزب الله» وإنهاء وجوده العسكري للتسليم بحق دمشق في هذه العودة.

والحسابات الإسرائيلية في شأن تليين الموقف الأميركي من عودة سورية الى ممارسة نفوذها في لبنان بحسب التقرير الديبلوماسي الذي يرتكز إليه المصدر الوزاري، تفترض ان من الممكن تعديل موقف واشنطن، خصوصاً ان الإدارة الجمهورية ستتغير آخر هذا العام على الأرجح مع حصول الانتخابات الرئاسية، وأن العد العكسي لها سيبدأ مع انطلاقة المرحلة الثانية من الحملة الانتخابية في نيسان (ابريل) المقبل، حيث يبدأ التحضير معها لسياسات الإدارة المقبلة، وللإسرائيليين علاقة جيدة برموز القيادة الديموقراطية.

ويلفت المصدر الوزاري في هذا السياق الى دعوة نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الولايات المتحدة الى رعاية ومواكبة المفاوضات على المسار السوري، مذكراً، لمناسبة حديثه عن حضور دمشق مؤتمر انابوليس، بعد انعقاده، ان طهران و «حزب الله» و «حماس» لا يؤثرون في سياسة سورية، التي تتخذ قراراتها استناداً الى مصالحها القومية.

النفوذ الإيراني مقابل «تسوية» النووي

ويشير المصدر الوزاري الى ان التحرك على المحور السوري – الإسرائيلي، يواكبه تقدم في الجهود من اجل احتواء الملف النووي الإيراني، في شكل يسهّل على سورية خطواتها. ويتحدث المصدر الوزاري عن ان ترتيب الملف النووي الإيراني يأخذ مسالك عدة أبرزها تزويد روسيا طهران بالوقود النووي لمحطة بوشهر بحيث يشكل ذلك تمهيداً مفترضاً لأن توقف طهران تخصيب اليورانيوم مقابل تسلمها ما يكفيها للبدء في إنتاج الطاقة في هذه المرحلة عبر ما تتسلمه من موسكو، التي تتحرك على هذا الصعيد بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية.

أما المسلك الآخر فهو الإشارات الأميركية بخفض مستوى التوتر بين واشنطن وطهران بعد صدور تقرير «سي آي أي»، عن ان طهران أوقفت برنامج إنتاج سلاح نووي منذ عام 2003، والذي طمأن الجانب الإيراني. إلا ان احتواء الملف النووي الإيراني يتطلب وفق المنظور الإيراني ثمناً يتعلق بنفوذ طهران في المنطقة، خصوصاً في الخليج، إضافة الى ضمان الأثمان المطلوبة لـ«حزب الله» في لبنان.

الإتصالات المصرية - الإيرانية

لكن هناك مسلكاً ثالثاً في هذا السياق يتطلب المتابعة وهو ما يجري على صعيد جهود تحسين العلاقة المصرية – الإيرانية إذ تسعى طهران الى تطبيع علاقاتها مع القاهرة. فبعد اتصالات بين الجانبين زار مستشار وزارة الخارجية المصرية، السفير السابق في لبنان حسين ضرار، طهران مطلع الشهر الماضي، ثم زار مستشار المرشد الأعلى للثورة علي لاريجاني القاهرة، وأعلن الجانب الإيراني عن استعداده لتزويد مصر بالقمح كخطوة أولى بين البلدين. وقال الرئيس محمود احمدي نجاد انه مستعد لإرسال السفير الإيراني الى القاهرة في أسرع وقت إذا أعلنت الأخيرة عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، معتبراً ان مصر وإيران هما «الركيزتان الأساسيتان للعالم الإسلامي».

ويشير المصدر الوزاري الى أن هذا جانب مما يجرى على الصعيد الإقليمي، يفرض نفسه على السياسات المتعلقة بلبنان ويفسر تجميد الحلول فيه. فهناك بداية لإحاطة الوضع العربي بمحور من ثلاث دول رئيسة وقوية هي إيران وتركيا وإسرائيل، في وقت تتجه سورية الى ترتيب أوراقها مع الدول الثلاث مجتمعة، إذ ان علاقاتها مع إيران ممتازة ومع تركيا جيدة فيما علاقتها مع إسرائيل خاضعة لاختبار إيجابي في شأن السلام. وهي تأمل من كل ذلك تكريس استعادة نفوذها في لبنان، وضمان موقع متقدم لحليفها الرئيس في التركيبة اللبنانية، أي «حزب الله»، كثمن للتسوية التي يمكن أن تقدم عليها مع إسرائيل.

وفي السياق نفسه يقول المصدر، ان ثمة تحركات إقليمية أخرى هي الجانب الآخر من الصورة لإيجاد تسويات في شأن المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

لكن هذا الجزء من المشهد الإقليمي ليس كافياً بحسب المصدر نفسه، لتحديد العوامل التي تساهم في إنجاح ما تندفع إليه دمشق في موقعها الإقليمي وبالتالي اللبناني. فالعلاقة بين دول المنظومة العربية، لا سيما مصر والمملكة العربية السعودية، وهذه التطورات الحاصلة والمتوقعة، ليست واضحة المعالم بعد. ولهذه الدول رأيها في الوضع اللبناني ومصالحها أيضاً. كما أن بعضاً مما يجري يستهدف دورها على الصعيد الإقليمي، وخصوصاً السعودية، سواء في العلاقة مع إيران أو مع القضية الفلسطينية.