ثمة حقيقة لا يجوز الاختلاف حولها هي أن سوريا مستهدفة بشكل جدي وخطير. من يعود إلى وثيقة مستشار البنتاجون ريتشارد بيرل، الذي شغل منصب مستشار بنيامين نتنياهو رئيس وزراء “إسرائيل” نهاية التسعينات، سيكتشف إلى أي مدى سوريا مستهدفة. نستشهد ببيرل لأن ما قاله وكتبه هذا الرجل وجد طريقه إلى التطبيق بطريقة أو بأخرى. ففي وقت كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يجلس إلى طاولة المفاوضات قبالة بنيامين نتنياهو، حدد بيرل آلية للتعامل “الإسرائيلي” الأمريكي مع عرفات، تلك الآلية اختصرها بثلاث كلمات “غير ذي صلة”. بعد ذلك بحوالي سنتين تطابقت مواقف “إسرائيل” وأمريكا على وصف عرفات بأنه “غير ذي صلة”، أي نفس تعبير بيرل الذي حدد في الوثيقة ذاتها السياسة التي ينبغي اتباعها إزاء دمشق، سياسة تتجه نحو التهديد بالعدوان العسكري مترافقاً بضغوط اقتصادية وإعلامية ونفسية تدفعها للتسوية مع “إسرائيل” بالشروط “الإسرائيلية”. حتى عندما تحدث بتوسع عن العراق على قاعدة اجتياحه، ربط ذلك بتسهيل المهمة ضد سوريا ووضعها تحت “المكبس” والاختيار بين المصير العراقي والحضن “الإسرائيلي”.

صحيح أن الرياح لم تأت كما اشتهت السفن الأمريكية و”الإسرائيلية”، لكن الصحيح أيضاً أن الاستهداف لم يُحدد له سقف زمني، ووسيلة بعينها. فالمقاومة التي تواجهها أمريكا في العراق وما يرافقها من خسائر أولاً، ومن سقوط كل الشعارات التي غلّفت احتلالها ثانياً، تفرض إعادة النظر في ترتيب الأولويات واختيار الوسائل بانتظار الظروف الملائمة للخطط الموضوعة. لكن فترة الانتظار ليست فراغاً، ويجري ملؤها بما تيسّر من وسائل ودسائس وألاعيب ومؤامرات تخلخل الأساسات وتهيئها للحظة هبوب العاصفة.

بهذا المعنى وبكل المعاني المتاحة والمتخيّلة، تبقى سوريا في دائرة الاستهداف، ولا نظن أن الذين جادلوا سابقاً باستحالة استهداف العراق يمكن أن يغيروا تنظيراتهم التشكيكية بكل ما يمت بصلة للعين والراء والباء.

ألا تتعرّض سوريا حالياً لنوع من الحرب؟ ألم تتناغم الغارة الجوية “الإسرائيلية” في أيلول/سبتمبر الماضي مع الغارات الإعلامية التحريضية والاتهامية، من لندن وباريس وواشنطن وبعض أشقاء الأمس، حلفاء كذبة الربع قرن؟

مطلوب من سوريا أن تصمد، وحتى يمكن لهذا الصمود أن يكون مطمئناً وراسخاً، مطلوب من القيادة السورية أن تنفتح على القوى الوطنية الفاعلة والشريفة والمعارضة الأصيلة على أرض الوطن، انفتاحاً يشرك قوى الشعب في صياغة مستقبل البلد والدفاع عنه. صحيح أن لحظات الاستهداف الخارجي تستدعي اليقظة من المؤامرات، لكننا لا نعتقد أن اعتقال كاتب أو صحافي وقّع عريضة، يمكن أن يفيد أكثر من منح المعسكر المعادي مادة لصب الاتهامات وتغذية الاستهداف.

وباختصار، حكمة القادة وقوة أي جيش ونفوذ كل قوى الأمن، لا تكفي لحماية بلد، لأن كلمة السر هي الشعب، والقلعة لا تقتحم إلا من الداخل.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)