ماذا سيحمل عمرو موسى معه؟ بل ما الذي سيحمله أصلاً للعودة إلى بيروت في ظل إشارات «إعادة التموضع» السعودي ـ الفرنسي المنسّق توقيتاً وحراكاً؟
ومع أن الفهم الأولي لـ«الحذر» الأمني المشترك بينهما «يشيح بالعقل» نحو الهواجس الأمنية وما تخشاه كل من المملكة العربية السعودية وفرنسا من خطر في لبنان، ويرسم صورة قاتمة جداً للمرحلة المقبلة فيه، إلا أن ما يمكن استدراكه لذلك الفهم يدفع نحو قراءة محتوى الرسائل المتتالية عبر «صندوق البريد اللبناني» والذي ربما يكشف حدة المواجهة القائمة حالياً في المنطقة، ويكتب «بالشيفرة» التعليمات المرتبطة ببلوغ «الساعة صفر» لتنفيذ الهجوم الكاسح في كل الجبهات، السياسية حتى الآن، على «الحلف الرباعي» بين سوريا وإيران وحزب الله وحركة حماس.

طبعاً، لم يكن الإعلان السعودي أو الخطوة الفرنسية مجرد تعبير عن مناخ كان يفترض مثل هذه الخطوة في الأشهر الماضية على مدى ثلاث سنوات، وخصوصاً في السنة الأخيرة، أي منذ أحداث جامعة بيروت العربية، لكنه يأتي بعد الخطوة القطرية بسحب وحدتها العاملة في إطار قوة اليونيفيل.
فما الذي دفع لتلك الخطوات «الحساسة» في قراءاتها، والتي تركت اللبنانيين أسرى الخوف الشديد من أبعادها وما أوحت إليه؟
يمكن قراءة تلك الإجراءات في الاتجاهات التالية:

ـ أن تكون تلك الخطوات هي دعوة إلى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى لإلغاء زيارته، أو تأجيلها، باعتبار أن الساحة التي يذهب إليها تعيش أرضها هزّات متتالية وهي مكان غير مستقر حالياً.

ـ تعبير عن التجاوب مع الموقف الأميركي الرافض للمبادرة العربية، أو المتجاهل لها، بحيث يعلن النعي الرسمي لها، فيستعيد الأميركي «العقال»، في انتظار أن تسمح له ترتيباته في المنطقة بالإفراج عن التسوية في لبنان مقابل الثمن الذي يطلبه.

ـ التمهيد لذهاب لبنان نحو المكان الخطر الذي يخشاه الجميع، بحيث تسقط الضوابط التي تحكم إلى الآن آلية التعامل مع الفراغ، فيسقط لبنان في مستنقع «العرقنة» بديلاً عن حرب المتاريس.

ـ المعرفة السعودية والفرنسية، وحياً أو بالتحليل، بأن «الضوء الأخضر» قد أعطي لانطلاق «العمليات» في لبنان وسوريا وفلسطين، وهي تشبه تلك التي أعطيت صفة «العمليات القذرة» في العراق، وقد يكون اغتيال الشهيد عماد مغنية إحدى أبرز تلك الإشارات في هذا الصدد.

ومن خارج تلك التداعيات اللبنانية، فإن ثمة احتمالاً منطقياً في أن يكون «صندوق البريد اللبناني» يستعمل الآن في المواجهة مع سوريا وصولاً إلى الإطاحة بالقمة العربية في دمشق المقررة أواخر آذار الجاري.
ويمكن في هذا السياق توظيف بعض الدلالات لتأكيد ذلك الاحتمال، ومن بينها وأبرزها:

1ـ الاتصالات المكثفة مع سوريا، عبر الزيارات العربية المتتالية وعبر الاتصالات المعلنة الروسية والتركية.

2ـ عودة التلويح، ولو بخجل، بتهديد النظام في سوريا.

3ـ اغتيال الشهيد عماد مغنية في دمشق تحديداً.

4ـ استعادة الخطاب اللبناني في فريق الحكم لنبرة الهجوم على سوريا وإيران.

5ـ «ربط» لبناني لمصير قمة دمشق بحضور رئيس من لبنان فيها، وفي هذا إعلان مسبق عن رفض الأكثرية النيابية للمساعي التي بذلت لتمثيل لبنان برئيس الحكومة فؤاد السنيورة.

في اعتقاد بعض المراقبين أن «عرب الاعتدال» يحاولون التملّص من استحقاق القمة العربية لأن مبادرة قمة بيروت التي كرستها قمة الرياض، أسقطها مؤتمر أنابوليس الذي كان سقفه أدنى من تنازلات المبادرة. وعليه فإن أي قمة عربية يفترض أن تسلك واحداً من خيارين: إما مواجهة الولايات المتحدة الأميركية بإعادة التأكيد على مبادرتهم للسلام، وإما إسقاطها والتسليم بنتائج أنابوليس المعرضة أيضاً لمزيد من التغيير والتراجع.

فإذا كان توقيت القمة العربية ومكانها معاكسين للظروف «الموضوعية» عربياً، فلماذا سيعمل القادة العرب على عقدها؟ وإذ ذاك فقط يكون لبنان قد استعمل لشحن الخلاف مع سوريا بهدف إطاحة القمة إلى أن تحين ظروف أفضل، وربما بعد انتخاب الرئيس الأميركي المقبل...

لكن كل ذلك يفتح هلالين على فحوى التصعيد من طرفي التأثير اللبناني: السعودية وفرنسا: إذا كان ما يجري هو في سياق حملة تهويل كبرى فإن احتمالات الانفراج قد تكون آتية، وإن كانت هذه الحملة ستشتد خلال الأيام والأسابيع المقبلة. أما إذا كانت تلك الخطوات ترجمة لقرار مواجهة اتخذ في الأروقة، القريبة والبعيدة، فإن ذلك يعني أن التصعيد لن يقتصر على التهويل السياسي وسيجد طريقه إلى ترجمات أخرى بإمكان اللبنانيين قراءتها «بالمشاهدة»...

قبل أسبوع، كان أحد أركان فريق الأكثرية «يزفّ» إلى دائرة واسعة من المقربين «تطمينات» بأن الوضع سيتغيّر قريباً، وقريباً جداً، وربما قبل أواخر شباط الحالي.
وأكّد لـ«الدائرة الضيّقة» من أولئك المقربين أن لديه «ضمانات» بأن المعادلة القائمة حالياً ستتغيّر لصالح قوى 14 آذار. وجزم بأن هذا الكلام غير مرتبط بـ«حملة التحشيد» لمهرجان 14 شباط، بل إن المهرجان هو «صفارة الانطلاق».
قد لا يرتبط ذلك «الوعد» بما استجد، لكن بالتأكيد أن لبنان يمر بـ«منازلة» كباش قوي جداً يصفق له اللبنانيون بحماسة... لكن على وجوههم!

مصادر
السفير (لبنان)