لا يخفى على أحد من المهتمين والمتابعين لشؤون الإدارة الأميركية حجم الدور الكبير الذي يلعبه نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في رسم السياسة الخارجية ومدى تأثيره على قرارات الرئيس جورج بوش.

وتبرز جولة تشيني الحالية إلى المنطقة، حجم الأزمات التي تحاصر الإدارة الأميركية الحالية، بدءاً بالأوضاع في العراق مروراً بأزمة النووي الإيراني وصولاً إلى عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وإذا كانت هذه الأخيرة حتى الأمس القريب على نهاية سلم الأولويات الأميركي منذ استلم الرئيس بوش ولايته الأولى، فمن الواضح أن الإدارة الأميركية الحالية أدركت وهي على أعتاب ترك السلطة خطأ قرارها بإهمال هذه القضية التي كانت ولا تزال تعتبر مفتاح الحل للكثير من أزمات المنطقة.

وإذا كان التنبه الأميركي عبر عن نفسه في مؤتمر أنابوليس الذي عقد قبل بضعة أشهر، والزخم الدبلوماسي الأميركي الذي تبعه والمتمثل في زيارات وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للمنطقة، فإن قراراً أميركياً واحداً لم يتخذ حتى اليوم على صعيد انتقاد الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بدءاً بالمجازر الأخيرة في غزة، وصولاً إلى الاستيطان الذي ما فتئ يتزايد منذ أنابوليس وحتى اليوم.

ورغم سابقة دعم الإدارة الأميركية محادثات القاهرة الأخيرة التي سعت عبرها الإدارة المصرية لتثبيت تهدئة في قطاع غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حماس، إلا أنها وقفت متفرجة أمام القرار الإسرائيلي بمواصلة الاغتيالات في الضفة الغربية، مما أجهض المبادرة المصرية وأعاد الأمور إلى المربع الأول.

وساعد الموقف الأميركي الحكومة الإسرائيلية على المضي قدماً في ممارساتها عبر تأكيده على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس خلال عملية غزة الأخيرة التي راح ضحيتها أكثر من 120 فلسطينيا غالبيتهم من المدنيين، وعبر الاكتفاء بالأسف على القرار الإسرائيلي الأخير باستئناف الاستيطان في الضفة الغربية، وهو الأمر الذي اعتبر الفلسطينيون أنه يدق المسمار الأخير في نعش عملية السلام.

والتساؤل الذي يطرح نفسه اليوم إلام يهدف تشيني من جولته في شقها الفلسطيني؟ وهل حقاً سيعمل على الضغط على الطرفين لاستئناف المفاوضات؟

فقبل بضعة أيام وجهت إسرائيل صفعة قوية للإدارة الأميركية عبر وزير حربها أيهود باراك الذي رفض حضور اجتماع الآلية الثلاثية الأميركية ـ الإسرائيلية ـ الفلسطينية الجمعة الماضي رغم حضور المبعوث الأميركي الجنرال وليام فريزر ورئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، وفي إشارة إلى عدم اهتمامه بالمحاولات الأميركية لاستئناف المفاوضات اكتفى باراك بإيفاد ضابط في الوزارة هو عاموس غلعاد.

وبالتزامن مع الاجتماع استأنف باراك الذي يحمل أكبر قدر من الأوسمة على سجله الحافل في سفك الدماء الفلسطينية حربه على الفلسطينيين.

وكانت وكالة فرانس برس نقلت أمس عن مسؤول أميركي كبير طلب عدم الكشف عن هويته قوله إن تشيني سيشدد خلال لقائه رئيس الحكومة الإسرائيلي والفلسطيني على أن «ثمة مخاطرة وتسويات تستحق العناء».

وعلى ما يبدو فإن هذه النظرية تعني أميركياً أن يرضى الفلسطيني بالاستيطان في الأراضي التي باتت جزءاً من إسرائيل حسب تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، والقبول بما سيهبه إياه أولمرت من فتات أراض لإقامة «الدولة الفلسطينية» المنشودة. وأن يفتح أهل عزة صدورهم لاستقبال صواريخ باراك دونما أدنى إيماءة على نية الرد!!

لكن ما لا يدركه تشيني هو أنه ما لم يستطع الضغط على إسرائيل لتغيير كل ذلك فإن مصير مبادرته الحالية لن يكون أفضل مما انتهت إليه محاولات الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في كامب ديفيد قبل أيام على نهاية ولايته.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)