الصورة العامة لما يحدث في مصر تجاه ما يسمى "خلية حزب الله" ربما يناسبها الوصف بأنها مسرحية، لكنها لا تحتاج إلى قراءة نقدية تتناولها من حيث النص والبنية والخطوط الدرامية والأداء والإخراج، لأنها مسرحية رديئة فنياً ولا تحتاج إلى هدر الكلمات والسطور وسفح الحبر عليها.. لكنها من جهة أخرى ومن حيث التوقيت تستحق قراءة سياسية يمكن أن تقود إلى استخلاص الآتي:

أولاً: استمرار محاولة تسويق الفكرة القائلة إن دعم المقاومة والخيار المقاوم سياسياً وعسكرياً ومالياً وإعلامياً وشعبياً ـ وهنا الأهم ـ هو جريمة وهو خط سياسي لا يتناسب ومقتضيات المرحلة، حتى ولو قضى الفلسطينيون ـ كل الفلسطينيين ـ جوعاً وقهراً وحصاراً!!.. وهو استمرار لمحاولات تكريس وإثبات أن هذا الخيار هو خيار يقود الشعوب إلى الانتحار، على الرغم مما أظهره الشارع العربي من تأييد وتعاطف مع الخيار المقاوم، باعتباره خياراً ثقافياً واجتماعياً قبل أن يكون خياراً سياسياً رسمياً.

ثانياً: لا يمكن فصل قضية "خلية حزب الله" المثارة مصرياً، عن القلق والمخاوف والتحفظات التي يبديها بعض الرسميين العرب من إعادة الحسابات الأمريكية والأوروبية التي نتج عنها انفتاح أمريكي وأوروبي على إيران وسوريا وتالياً على الخيار المقاوم، وكان آخره الانفتاح البريطاني على حزب الله وطرق باب الحوار معه.. لذا تأتي هذه القضية في سياق قطع الطريق على فتح قنوات الحوار والتواصل مع حزب الله "الرقم الصعب في المعادلة السياسية اللبنانية"، عبر "توريطه" بوصفه أحد رموز ذلك الخيار، بمسائل وقضايا إقليمية ودولية، استطاع الحزب وعلى مدى سنوات إفشال كل محاولة من شأنها جرّه إلى معركة ليست معركته وإلى ساحة ليست ساحته، وهو الذي يعلن على الملأ، قولاً وفعلاً، أنه "حزب لبناني وقضيته الأساسية تحرير الأرض ومواجهة المخطط الصهيوني..".

ثالثاً: الغريب أن مصر ومنذ اتفاقية كامب ديفيد لا تدخر جهداً لاستعادة ثقلها وفعلها ودورها وحضورها العربي الذي تفتقده، كما يفتقده كل العرب، وهي محقة في مسعاها هذا لكنها لا تسعى في الاتجاه الصحيح. ولا يخفى أن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة والموقف المصري الملتبس والذي أثار حفيظة الشارع العربي، كان أحد المؤشرات لتعثر المساعي المصرية للعودة إلى ممارسة دورها الذي كانت تلعبه قبل كامب ديفيد. وفي سياق التعثر ذاته يأتي تغيبها عن القمة العربية الأخيرة في الدوحة في ظل أجواء الترميم والمصالحات العربية. واليوم تُظهِر أيضاً مسألة "خلية حزب الله" الإمعان المصري الرسمي في سلوك طرق لا يمكن لها أن تؤدي إلى استعادة مصر لما تصبو إليه.

التهويل في مسألة "الخلية"، وفي العزف على الوتر المذهبي، ومحاولة تسويق فكرة "التشيّع" و"تهديد الأمن" وكيل الاتهامات وتضخيمها أي "تكبير الحجر" يبدو سلوكاً لا يليق بدولة بحجم مصر، وهو بالتالي لا يخدم رغبتها في استعادة دورها العربي، وفي إعادة تجميل وترميم الصورة المصرية التي لم يرضَ عنها الشارع العربي إبان العدوان الهمجي الإسرائيلي على غزة وقبله على لبنان 2006 .

سامي شهاب الشاب اللبناني المنتمي إلى حزب الله باعتراف الحزب نفسه، لم يكن موجوداً في مصر على الحدود مع غزة للقيام بكل ما ورد في ورقة الاتهام، وهو أساساً لا يستطيع حتى بوجود "خلية"، إنما كان موجودا ًلتقديم العون للمقاومين وللفلسطينيين المحاصرين في غزة، وهذا ما لم يرد في ورقة الاتهام لأنه لو ورد لكان سيقلب السحر على الساحر!!.

يحق لحزب الله ولكل داعمي الخيار المقاوم ولكل رافضي استبدال العدو الإسرائيلي بعدو وهمي مفتَرض آخر، أن يفخروا بـ "تهمة" دعم الفلسطينيين وتقديم الدعم اللوجستي للمقاومين، ويحق لهم أيضاً أن يفخروا بـ "جريمة" مقاومة الاحتلال.. وفي المقابل يحق لمصر أن تسعى إلى استعادة دور تفتقده، ولكن ليس عن طريق تبخيس الخيار المقاوم وتشويه صورته وهدم انتصاراته التي اعترف بها العدو قبل الصديق، وليس عن طريق نقله كنهج وثقافة إلى مواضع لم يوجد من أجلها أساساً!!.