لن تروي عطشنا بحيرة ليمان لأنها ستقف بيننا وبين الكثير من التفاصيل التي احاطت مؤتمر جنيف لـ"مكافحة العنصرية"، فهو الحدث الغريب عنا وربما البعيد عن مساحة السياسة الخارجية، ربما لأنه لا ينقل لنا الصورة البراقة للمؤتمرات الأخرى التي يظهر فيها "مجسمات" الشمع الخاصة رجال المال، أو حتى الأفكار المحنطة والمعبئة داخل "عباءات" تفوح منها رائحة النفط والوطنية، فمؤتمر جنيف مهما كانت الملاحظات عليه لكنه ينقل صورة عن عالم استقلنا منه، وتركناه لترتيبات تمارس بالضغط أو حتى بلباقة السياسة عبر تقاريرها عن حقوق الإنسان.

من المؤكد أن مؤتمر جنيف الذي يعتبر متابعة لأعمال مؤتمر "ديربان" لا يشكل رضا بالنسبة للنظام العربي طالما أنه على الأقل يحتمل الكثير من التفاصيل، فهناك استحقاقات تهوي السياسة العربية تجنبها لأنها تفتح استحقاقا داخليا قبل كل شيء، وتترك مساحة للعمل الأهلي المفقود أو "الساقط" في عرف السياسة العربية لأنه يبحر عكس مساحة الحلم العربية في تفسيره للسياسة الخارجية.

واستحقاقات مؤتمر جنيف التي انتهت باستبعاد "إسرائيل" لم تكن كافية لعدد من الدول كي تقف ضده، وهذا الأمر ربما يشعر شريحة كبيرة من السياسيين العرب بحالة من اطمئنان فهم ليسوا الوحيدين الذين حاولوا تجاهله، وهم أيضا لن يكونوا ملزمين بمتابعة نتائجه طالما ان الولايات المتحدة قاطعته، فهذا المؤتمر يمكن أن يحفر عميقا في مساحة المجتمعات، وفي هذه الآلية طاقة إضافية يمكن استثمارها ضد العدو الإسرائيلي، لكنها لن تكون مفيدة طالما اننا نريد الوقوف بعيدا خوفا من حالة التماس مع مسائل الحقوق داخل مجتمعاتنا.

هو مؤتمر استعراضي بلا شك، ولكن ليس أكثر من مؤتمرات سياسية رسمية يحضر لها ويقوم بها النظام العربي باستمرار، ووجه المقاربة ربما لا يصح إلا اعترفنا أن بالصورة الضعيفة لطريقة تعبيرنا عن سياستنا الخارجية، فعندما تكون هذه السياسة ذات تأثير على الداخل ينتهي فعلنا، أو ربما يذوب داخل القدر المكتوب على التوصيات الأبدية لمقررات القمم العربية...

أحمدي نجاد سيحضر مؤتمر جنيف رغم كل الاعتراضات على مسألة حقوق الإنسان في بلده، لكنه على ما يبدو واثق من "دور بلاده"، بينما يستطيع البعض التلهي بمؤامرات تحاك ضد، وباختراق لسيادته نتيجة عملية المقاومة، والبعض الآخر يراقب المؤتمر من بعيد لأنه يفضل "البعد التاريخي" الذي يميزه أو ربما يميز سياسته، وفي النهاية يبقى "النظام العربي" هلاميا أكثر من أي وقت مضى، وتستمر "إسرائيل" بسياساتها العنصرية...