من الممكن اليوم أن نسمع كالعادة الخطاب العربي بكاء على الأطلال، أو محاسبة قاسية للتاريخ على إيقاع قرار التقسيم وحل الدولتين، فالفاصل الزمني بين الحدثين الذي يتجاوز ستة عقود ينتهي عند أطراف الخطاب العربي وكأنه إضاعة للزمن، فنحن حسب بعض التأويلات نعود إلى القرار 181 بعد جملة حروب ونكبات ونكسات واجتياحات...

عمليا حل الدولتين ربما يبدو استرجاعا لقرار التقسيم، لكن الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى لم تكن موجهة لموضوع "الدولة" في شكلها الفلسطيني، وقرار التقسيم وفق منطق الرفض له حتى اللحظة لا يخرج من إطار التفكير بمسألة ظهور دولة أو غيابها، فالتشابه اليوم ربما في نوعية الحل الذي يعود دوما إلى ساحة السياسة بغض النظر عن إمكانية تحققه، وعندما ظهرت "إسرائيل" فإن طبيعة الاحتلال فرضت الرفض العربي دون الدخول بفلسفة حول منشأ هذا الرفض أو عدم قدرته على التعامل السياسي، وربما كان من الصعب البحث في نوعية الخطر الذي تواجهه المنطقة نتيجة ظهور "إسرائيل" وقرار التقسيم، لكنه كان "خطرا" مجردا عن "التلاعب السياسي" الذي يظهر اليوم، وما حدث عمليا هو إعادة تكوين بطيء للمنطقة على شاكلة هذا الخطر، فأصبحت الأجيال بعد ستة عقود مقتنعة بأن "الواقعية" تفرض التسوية...

المسألة اليوم تبدو نوعا من "التهويم"، فلا أحد يتخيل شرق أوسط من دون "إسرائيل"، أي من دون الاحتلال والحروب الدائمة والعملية السياسية الطويلة، وهو أمر يبدو لأول وهلة وكأنه "حلم" يحمله بعض من لا يستوعبون دروس التاريخ، أي المقاومة بتعبير آخر، فنحن أمام مصطلح جديد وربما واقع من "التأقلم مع الأزمات"، والتعايش مع "ضياع الهوية" الذي ظهر بوجود "إسرائيل" كدولة مستندة للدين وسط مجتمعات نشأت وتطورت على التعددية.

ربما الغريب اليوم هو مناقشة ظهور "إسرائيل" على قاعدة قدرتنا ابتكار الحلول السياسية المتوافقة مع هذا الظهور، أي أننا مقتنعون بأن الاحتلال قانون يحكم وجودنا وربما يرسم هويتنا فتخرج الحلول على سياق "الدولتين" أو "التقسيم، ثم نعود لنحاسب "المجتمع" بما فيه من نخب سياسية أو ثقافية لأنه قرر قبل ستة عقود رفض هذا الظهور....