بعيد أكثر من سبعين يوما مرت على افتتاح سوق دمشق للاوراق المالية ، يبدو بان السوق لا تزال تفتقد للكثير من الاشياء التي أبعدتها عن تصورنا المسبق لحلم البورصة السورية .

فبعد الكثير من المواعيد الفاشلة للانطلاق ، وبعد تأجيل في الوعود لمئات الايام ، ظننا جميعا ان هذا التأخير انما سيحمل في طياته " كما صرح " اسباب لا بد وان تكون نتائجها ايجابية على سير العمل الافتتاحي في البورصة المنشودة .... لكن ومع اولى جلسات الافتتاح في العاشر من آذار الماضي ، تأكد الكثيرون ان ثمة نقص في مكان ما ، تحسس به غالبية المتابعين ، وصرح به بعض المختصين ، وحاولت حينها "سوريا الغد " ان تكون من ضمنهم ، بعد ان رات ان احدى الاسباب الرئيسية لاحجام التداول المخيبة للآمال انما يعود في جزء هام منه الى ذاك التقصير الواضح من معظم وسائل الاعلام في التعامل مع هذا الحدث .

و في الاستعداد له من خلال محاولة الاقتراب من القارئ وتعريفه بهذه المفاهيم الجديدة التي بدأت تنسال عليه دفعة واحدة ، ولتعمل من خلال ذلك على تكوين ثقافة مالية ولو في حدودها الدنيا للمتابع المهتم ، لكنها للاسف لم تستطع ان ترقى للعب هذا الدور .

وعوضا ان تتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها ، عالجت العديد منها الموضوع بطابع احتفالي حمل معه الكثير من معاني السرور والفرح " على مبدأ افرحوا صار عنا بورصة ..." ، كل ذلك ادى الى ايجاد حالة من الانقطاع بين المتابعين و البورصة المحلية وهي في اولى مراحل نموها ، وحولها الى مجرد حالة تلقي أخبار لا أكثر ، اعتاد ان يتلقى مثيلاتها من وسائل الاعلام العربية والدولية وهي تغطي تداولات البورصات العربية والعالمية ، والتي لم يعلق في ذهنه منها سوى تلك الاسماء الرنانة للمؤشرات .

الامر الذي ادى الى ترسيخ المفهوم القائم على اعتبار الدخول الى هذا الميدان انما امرا محفوفا بالمخاطر بوجهة نظر الكثيرين ، كيف لا والكثيرين لا يزالون يعتبرون الاستثمار في البورصة انما أمر محرم ’ دينيا ’ ، طالما انه لم يسمع كلاما منافيا له ، يحاول ان يبسط له الامر ويعلمه بان الاستثمار في البورصة انما يدخل في اطار التجارة القائمة على البيع والشراء وعلى احتمالية الربح والخسارة ’المحللة ’ في مختلف الشرائع الدينية .

نعم لقد كان جليا بالعديد من البرامج والفقرات التي حملت اسم الاسواق المالية والبورصات في وسائلنا المحلية ان تبتعد عن تلك اللغة الفوقية التي حادثت بها المتابع ، وان تبعد نفسها عن التخبأ وراء تداولات الداوجونز وأرقام الناسداك ، وان تبحث عن لغة بسيطة في شكلها عميقة في جوهرها تحاول من خلالها ان تتخاطب مع المتلقي لتشجعه وتحفزه وتعلمه كيفية التعامل مع البورصة المحلية ، وان تؤكد له على مستويات الامان التي تقدمها الهيئة لتداولاتها وتشرح له معنى الحدود السعرية التي تطبقها ،وان تتعاون مع شركات الوساطة لتشرح له دور هذه الشركات المحتم في اي عملية تداول مفروضة ، هي اجراءات من بسيطة لا بد من اتخاذها اذا ما ارادنا فعلا ان يتحقق حلمنا في ان تتحول البورصة الى ذلك الوعاء الادخاري الذي يفترض ان يجذب الادخارات ويحولها الى أماكنها المناسبة .

واليوم ، وبعيد استيعاب صدمة الافتتاح المدوي ، لا بد من الانطلاق من جديد ، من خلال العمل على خلق نهج مشترك بين وسائل الاعلام المحلية بمختلف وسائلها المسموعة والمرئية والمقروئة والالكترونية يضع نصب أعينه تغيير طريقة التعاطي مع البورصة المحلية ، لمحاولة تغيير الانطباع الاول الذي تكون لدى الكثيرين ، هذا النهج وان كان يحتاج الى كثير من التنسيق والدعم لتحقيقه ، انما هو بحاجة أولا وقبل كل شيء الى تجاوز تلك الرؤية الضيقة التي ينظر بها البعض للمواضيع النقدية ، باعتبارها تجريحا مقصودا ، والتي عانينا منها فيما سبق من مقالات نشرت على موقعنا الالكتروني بعيد افتتاح البورصة من خلال توسيع الافق لفهم جوهر الموضوع الذي يتفق الجميع على اهدافه .