يبدو من السذاجة بمكان الخوض بمصاعب أو مشكلات أي إعلام في العالم دون الولوج في البيئة والمناخ العام الناظم لذلك الإعلام. والمجال يتسع هنا كثيرا بحيث يطال البنية الاجتماعية والاقتصادية وصولا إلى المكون الفوقي أو البنى والنظم السياسية الموجودة .

لا يشذ الإعلام السوري عن تلك القاعدة بالتأكيد وبالتالي لا يجوز توصيف مشاكل ذلك الإعلام والخوض فيها، وهي كثيرة جدا في الواقع تعبيرا عن كل ذلك المناخ العام. يوجد قانون إعلام لم يمض على إصداره أكثر من 9 سنوات لكنه قانون يعاني عيوبا كثيرة جعلت المشهد الإعلامي العام يبتلي بتلك العيوب. سورية التي كان لديها في خمسينيات القرن الماضي أكثر من 10 صحيف يومية في دمشق وحدها لا تملك اليوم سوى أربعة ثلاثة منها رسمية بالكامل : "البعث" الناطقة بلسان الحزب الحاكم ، و"تشرين" و"الثورة" الحكوميتين . والأخطر من ذلك أن أفضل واحدة بين تلك الصحف لا تطبع أكثر من 50 ألف نسخة في أحسن الأحوال مقارنة مع عدد سكان يتجاوز الـ 22 مليون نسمة !!

هل المشكلة في تلك الصحف أم في القارئ بذاته ؟ بالتأكيد في طرفي المعادلة في الصحف ذاتها التي لم تستطع رغم كل التدفق الإعلامي والتطور الهائل في العملية التحريرية ان تجذب أو تلبي رغبات القارئ . تتحول تلك الصحف أحيانا إلى ما يشبه النشرات المباشرة من الحكومة إلى المواطن وحتى في الآلية المعاكسة بمعنى نقل ما يطلبه المواطن من الحكومة لا تزال قاصرة وساذجة وتتركز خصوصا في شكاوي عاجلة لها طابعا خدماتي لم يتغير منذ عقود طويلة لا بمضمونه ولا بشكله . والصورة تبدو صعبة التغيير لاعتبار بسيط جدا هي أن الصحف هي رسمية بل وحتى صحيفة "البعث" الناطقة بلسان حزب البعث والصحيفة الخاصة الوحيدة "الوطن" لم تكن بعيدة عن السابقات بل إن بعضهم يسميها تندرا بالصحيفة الرسمية الرابعة !! .

لم تسمح الحكومة حتى اليوم بإصدار صحف يومية خاصة لتحريك المشهد الإعلامي. وحتى التعديل الذي طرا على ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية ـ وهي الائتلاف الحاكم في سورية بقيادة البعث وبما ينسجم مع إصدار صحف باسمها ـ لم يضف شيئا بهذا الإطار استنادا إلى ضعف الإمكانات الحاد لدى تلك الأحزاب فضلا عن ضعف حضورها وعدم تقديمها جديدا بما يساهم بتحريك المناخ الإعلامي العام . وهكذا لم تحقق تلك الدوريات ومعظمها أسبوعية أو نصف شهرية شيئا باستثناء " النور " و" البناء" للحزب الشيوعي ـ جناح يوسف فيصل والحزب السوري القومي الاجتماعي على التوالي فإن تلك الصحف غير معروفة للسواد الأعظم من الجمهور المتابع للإعلام.

الجانب الأخر يرتبط بالجمهور الذي لا يمتلك تقاليد قراءة الصحيفة فضلا بالتأكيد عن الكتاب . تلك ثقافة عامة افتقدها مجتمعنا منذ عقود طويلة بالتأكيد عندما كانت القراء يتهافتون على افتتاحيات الصحف التي تعكس تنوعا وتباينا في الموقف من تلك القضايا المطروحة. ثقافة القراءة تلك كفيلة لو وجدت لتضاعفت أعداد التوزيع الحالية للصحف عدة مرات واستيعاب صحف جديدة مختلفة بشكلها ومعالجتها للواقع تحاكي الصحف التي تدخل القطر من الدول المجاورة بما فيها الخليجية التي قامت كثير منها على أكتاف الصحفيين السوريين.

هناك تداخل هائل في هذا الجانب بحيث ترتبط عادة القراءة وبالتالي شراء الصحيفة مع مضمون تلك الصحيفة . بمعنى لماذا أقدم على شراء الصحيفة طالما أنني لا أجد شيئا بها يثير اهتمامي ، وبالعكس إن وجود جمهور قارئ سيفرض ولو جزئيا على هيئات تحرير الصحف الارتقاء بالمستوى وتحسين الأداء خاصة إذا فتح المجال أمام صحف أخرى مما يخلق المنافسة مهنيا وحتى بالمعنى التجاري الصرف .

تلك القضايا ستتبقى غائبة بالتأكيد في ظل الآليات الحالية للتعاطي مع الإعلام . وربما تحتاج إلى أكثر من مجرد قانون إعلام خاص وإن الصحف اليومية ترتبط بالحياة السياسية وبالتالي بقانون الأحزاب الذي طال انتظاره وكذا الأمر الحركة البرلمانية عبر مجلس الشورى.

لا تختلف الصورة كثيرا في مجالات الإعلام الأخرى الفضائيات والإذاعات والإعلام الالكتروني والأكثر جرأة مما سبقه . افتتاح المحطات المنوعة مرئيا أو إذاعيا لا تخلق إعلاما بالتأكيد وثم الجمهور الكبير المتابع للدراما والمنوعات. الإعلام تصنعه المحطات السياسية وملاحقة الحدث ومعالجته وتحليله ببرامج سياسية متقدمة وراقية في ظل ما يشهده العالم من ثورة إعلامية.