الخامس من حزيران يوم أكثر سوداوية ومرارة لدى عشرات آلاف النازحين السوريين من الجولان الذين باتوا اليوم أكثر من نصف مليون نسمة . تتشابه الصورة التي يرسمها هؤلاء للنزوح والاقتلاع في خطوطها العريضة. المجرم واحد والضحية ذاتها وأدوات القتل والاقتلاع تشبه الى حد كبير ممارسات الاحتلال هذه الأيام . الحيز الجغرافي وطريق النزوح الكبير يتباين بالتفاصيل بعدد البلدات والقرى والمزارع التي تم إقتلاع النازحين منها . في أماكن النزوح الجديدة في ضواحي دمشق ودرعا وصولا الى حمص أسس النازحون حياة جديدة بدءا من الصفر بل يتندر بعضهم بوصفها من تحت الصفر . الحنين بالعودة الى المنازل والبيادر والمزارع يكاد لا يغيب للحظة واحدة الى ان أصبحت المدة الفاصلة 42 عاما بالتمام والكمال .

أراض تشبه الجنة

يقول عبد القادر) 48 عاما ( كان عمري حوالي 6 سنوات حين خرجنا دير سراس في القطاع الأوسط . ويلفت الرجل الذي يعمل حلاقا في "تجمع السبينة للنازحين" جنوب دمشق أذكر ذلك اليوم وكأنه مشهد من فيلم قديم جدا . ويضيف عائلتنا مؤلفة من 5 أفراد نزحت مع أفراد القرية الى الشام . لم يكن يعلم الناس الى أين يتجهون . طيران الاحتلال يحلق ليلا ونهارا في المنطقة وأصوات القصف المدفعي لم تؤثر بأهل القرية الذين لجأوا للحقول التي تنتظر الحصاد حينها . ويتابع عبد القادر الأب لأربعة أطفال إن دخول جنود الاحتلال وارتكابهم المجازر دفع الناس للرحيل . كان المشهد مريعا على طول الطريق بإتجاه دمشق . الآلاف تحملهم الآليات البسيطة والدواب موزعين على الطرقات باتجاهات مختلفة نحو العاصمة التي لم يكن رأها الكثيرون.

يقول عبد القادر تركنا كل شيء ، أراض تشبه الجنة ، منازل وادعة والكل يتوقع عودة قريبة أسبوعا او أثنين أو حتى شهرا الى أن وصلنا الى اليوم . ويتابع كون النازحون حياتهم في المناطق التي استقروا بها لكنها في كل الأحوال لا تغني عن حلم العودة الحلم الأجمل والأقدم الذي يراودني كما الآلاف غيري .

العودة قادمة لا محال

المربي فيصل المفلح من قرية "سكوفيا "ـ القطاع الجنوبي يستذكر تلك اللحظة بطريقته . ويقول كنت طالبا في دار المعلمين في درعا. أهل القرية لجأوا الى أحد الوديان شمال القرية حيث تنتشر الكهوف والمغارات للإحتماء من غارات الطيران الاسرائيلي.

ويتابع قسم جنود الاحتلال بعد دخول قريتنا أهلها الى ثلاثة أقسام ، فأخذوا من هم دون الـ 40 عاما من الشباب كأسرى وكان بينهم والدي ونقلوا الشيوخ في شاحنات وألقوهم على حدود ما احتلوا يومها فيما تركوا النساء والأطفال . ويضيف المفلح بقيت والدتي في القرية ما بين 7 الى 8 أيام فيما اعتقدنا أن والدي أعدم في مجازر الاحتلال التي ارتكبها لإرهاب المواطنين لكنه أضاف عرفنا عبر مراسلاتنا مع الصليب الأحمر الدولي أنه معتقل في معتقل "عتليت" ما بين يافا وحيفا وأطلق سراحه بعد 45 يوما من ذلك الاعتقال .

ويتابع المفلح تشتت أبناء القرية ما بين دمشق ودرعا . خرجنا دون أن نحمل شيئا لنبدأ من الصفر .. معاناة بإكمال الدراسة وتأمين لقمة العيش وكل تفصيل من تفاصيل الحياة. ويضيف أمضينا سنوات نبحث عن سكن بالأجرة وننتقل من بيت لأخر ونحن المعتادين على الحقول والكروم والسهول والوديان التي لا تشبهها أرض في الدنيا . ويسجل المفلح ـ وهو كاتب وأديب ـ ساعدنا أهلنا في كل مكان حللنا فيه من أرض الوطن الكبير سورية. العيش في القرية حاضر باستمرار في صمودنا وأحلامنا كما يقول . ويضيف لا يمكن إطلاقا ان ننسى تلك الأرض التي ترعرعنا فيها . مات الكثيرون وهم يحلمون بالعودة إليها والأحياء متعلقون بأرضهم ينتظرون ساعة العودة حاملين معهم هذا الإيمان الذي نقلوه لأبنائهم.

الباحث في الشؤون الاسرائيلية عز الدين سطاس من قرية" الصرمان" ـ في القطاع الوسط يقول أنا من قرية وادعة من أجمل قرى الجولان تحولت بعد العدوان مباشرة الى ملجأ لنساء وعجائز القرى المحيطة الهاربين من قصف ومجازر الاحتلال بحيث أصبح كل بيت ملجأ بحاله . وأضاف احتل الإسرائيليون قريتنا يوم سبت بعد مدة من العدوان . ساد جو من الهلع واحتار الناس فيما يعملون . ويضيف أذكر أنني سألت أحد سكان القرية ـ وكان رب عائلة تضم خمس فتيات ـ لماذا لا تغادر الى دمشق أو أي مكان آخر . ويضيف نظر إلي والدمعة في عينيه لا أملك مالا والى أين سأذهب ؟ ويتابع سطاس اختفت المواد الغذائية خلال أقل من ستة أيام والاحتلال بدأ أعمالا إرهابية لتهجير اهالي القرية . الخروج بدأ بعد أسبوع من الاحتلال . ويتابع الجنود الاسرائيليون استولوا على كل الآليات البسيطة والمتواضعة في القرية فيما بدأ أعمال الارهاب والقتل وصولا الى التحرش بالنساء فكان لا بد من الرحيل الطويل والمرير. .