فازت الموالاة وخسرت المعارضة في نتيجة تلخص المعادلة الصعبة التي تعيشها الحياة السياسية في الشرق الأوسط، ومن الممكن الحديث عن الكثير من الأمور التي أثرت في الانتخابات مثل "القانون الانتخابي" أو "خصوصية" لبنان، فسياسة المحاصصة في النهاية لا تقود سوى لاحتمالات خطيرة، وفي نفس الوقت فإن ما أطلق عليه المعارضة تلقت "صفعة" سياسية هي ليست الأولى إلا أنها تعبر عن أزمة حقيقية يمكن قراءتها في لبنان بشكل واضح.

المعارضة وخلال السنوات الماضية كانت قادرة على خلق اختراقين أساسيين متناقضين تماما مع هزيمتها السياسية اليوم: الأول كان في التحالف الذي جمع حزب الله والتيار الوطني الحر، فهذا التحالف كسر مقاييس المعادلة اللبنانية، وكان فاعلا في مراحل مختلفة من التعامل السياسية الذي وصل لحد العنف المسلح في السابع من أيار عام 2008، وفي نفس الوقت أمن غطاء هاما لحزب الله في حرب تموز عام 2006، فالتحالف "هزم" الشكل النمطي للسياسة اللبنانية، و "انتصر" على قواعد نشأت منذ اتفاق 1942.

الاختراق الثاني كان في حرب تموز حيث استطاعت المعارضة تحقيق "النصر" على إسرائيل، وحكمت داخل لبنان على أساس القاعدة القديمة القائمة على وجود "فئة" يمكن عزلها عبر الحرب، فـ"إسرائيل" استهدفت "مناطق الشيعة" لكن هذا الأمر لم يخلق معركة داخلية واضحة المعالم، رغم أن "النخب السياسية" حاولت جاهدة إشعال هذا الموضوع.

من انتصارين نوعيين إلى هزيمة سياسية في الانتخابات مجال واسع لطرح الأسئلة، أو لمحاولة معرفة "ما الذي يحدث عندما ننتقل إلى حيز المنافسة الاجتماعية"، ففي لبنا ن نستطيع أن نلقي الاتهامات أو أن نرسم مجالا للمؤامرات، لكن في النهاية تبقى "اللعبة السياسية" موجودة ومن الممكن أن يتم الدخول إليها بقواعد مختلفة، فالهزائم السياسية داخليا هي "المعادلة الصعبة" التي تلقي ظلالها علينا دائما، لأنها تحمل معنى "الشرعية" خارج إطار المعارك الواضحة.

هو موضوع يعيدنا إلى دائرة التحول الاجتماعي الذي لم يحدث حتى الآن، ويجعل من المواطن رمزا لهوية واضحة المعالم، فعندما تخسر المعارضة في لبنان فإننا نقف على حدود السياسة التي تُمارس بثقافة ما قبل الدولة، وبمجتمع لم يحقق بعد معادلته الكاملة في رسم هويته الوطنية وفي معرفة موقعه من المجتمع، فالتغيير الاجتماعي لم يحدث ربما لأن "الرمز" القديم مازال حاضرا، فحتى لو بقي السيد حسن نصر الله والجنرال عون يتحدثان ويقدمان براهين على انتمائهما الوطني 0وليس الطائفي)، فإنهما في المقياس الاجتماعي يرمزان لـ"فئة" طالما أن الهوية الجامعة تسبح خارج مساحة المجتمع.

التغير الاجتماعي ليس عصيا لكنه تحرك نوعي على جبهة الداخل وعلى صعيد الثقافة الاجتماعية، وهو تغير سيضطر دائما لخوض حرب في الخارج، لكنه في النهاية سيحسم الخيارات داخل المجتمع وليس خارجه .