مع كل ما قيل عن مشروع قانون الأحوال الشخصية إلا انه بالفعل فتح نافذة تراثية غير متوقعة، وهي لا تبدأ فقط بالمصطلحات بل أيضا بحالة التذكير بأن الماضي هو مجرد روايات، وهو يحمل صورة "القيل والقال"، ويدفعنا إلى عدم "التمحيص" لأننا سنسمع "حكاية" مكررة عن ظهر قلب.

هناك من أجهد نفسه في تفنيد المشروع، وهو أمر كان ضروريا لمعرفة تكوينه العام وتفكيك تفاصيله أيضا، لكنني أشك في أن المواطن العادي حاول قراءته أو أتعب نفسه في البحث عنه داخل صفحات الانترنيت، وفي النهاية دخل "الإذاعة" في هذا الحوار ومما لا شك فيه أن هذا التطرق عبر الإذاعة "الخاصة" ربما سيدخل النقاش حيزا جديدا، ورغم ذلك فإن المستمعين ربما سيقتنعون بأن هناك "جهات مختصة" ستعالج الموضوع على قياس "شكاوى الموطنين".

قضية المشروع صبت في "النخب الثقافية" أولا وأخيرا، وحتى اللحظة لم يأخذ الموضوع بعده "الثقافي" العام لأن البعض مشغول بمتابعة ما سيقدم من دراما في شهر رمضان والباقون ينقلون الروايات التراثية المحفوفة بمخاطر الماضي أو بالقدرة على الانتقاء وعرض الصورة من جانب واحد، وفي نهاية المطاف فنحن سنبقى أمام رواية إما على طريقة منابر الخطاب أو بأسلوب شيق في مساحة الدراما، بينما يصبح المشروع هما ضيقا موجودا داخل صحف ومواقع إلكترونية.

ما حدث هو أن المشروع فتح باب التراث عند البعض، وعند الآخرين هناك رؤية حقوقية لا تخفي ما للتراث من تأثير على مجمل مواد المشروع، فتعود المسألة إلى "الثقافة التراثية" المشبعة بـ"الخيال" وبالقدرة على إثارة العواطف، لأنها مرتبطة بشكل مختلط ما بين التاريخ والدين وتكتسب سمات "قدسية" بحكم التداول بها على امتداد قرون.

لدى البعض رغبة في أن نعيش التراث، وبالفعل فنحن نعيشه دون حاجة لمشروع قانون احوال شخصية جديد، وهناك ألف مرجعية قادرة على امتلاك الثقة أكثر من المحاكم ومن المؤسسات، وهناك أيضا ألف راو يستطيع أن يشكل مصداقية تفوق مصداقية البحث العلمي، فلكي لا نخدع أنفسنا نحن على الأقل نعيش التراث على مستوى اعتقادنا ومنهجية عقلنا، حتى لو استخدمنا كل منجزات "مناطق الإلحاد" أو العالم المتكبر، فهل هناك حاجة لقانون أحوال شخصية على قياس القرن الرابع الهجري؟!!!

هو سؤال فقط للبحث بشكل مجرد عن "التشكيلة" الغريبة التي تحيط بنا، فنخدع أنفسنا كعلمانيين بالقدرة على التواجد، فنحن من خلال هذا المشروع اكتشفنا جمهورنا ومساحتنا الحقيقية التي تبدو واسعة، لكنها في نفس الوقت تشبه الجزر المحاصرة بتهويمات تراثية أو بروايات ماتزال تسير الكثيرين، ونحن الآن على مساحة اختبار في العودة من جديد إلى الحوار وإلى التفكير لأن الحياة في النهاية هي المستقبل وليس الخضوع لصمت القبور.