الحديث عن زيارة مرتقبة للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز إلى دمشق في سياق استكمال المصالحة السورية ـ السعودية التي أعلن عنها في قمة الكويت الاقتصادية وفي سياق استكمال "المصالحات" العربية، قاد إلى حديث آخر عن قمة ثلاثية أو رباعية سورية ـ سعودية ـ مصرية ـ لبنانية ستأتي بعد زيارة الملك السعودي.

والحديث عن زيارتين قام بهما مستشار الملك السعودي إلى دمشق برفقة وزير الإعلام السعودي عبد العزيز الخوجة "السفير السعودي السابق في لبنان والعارف المطلع على التوليفة السياسية والمذهبية في لبنان قبل وبعد الانتخابات والموزعة بين الموالاة والمعارضة".. قاد إلى الإفصاح عن توافق سوري ـ سعودي على ترتيب البيت اللبناني الداخلي بعد الانتخابات الأخيرة.

والإعلان عن تعيين سفير سعودي جديد في دمشق، وعن قرار البيت الأبيض بتعيين سفير أمريكي في دمشق، والحراك الدبلوماسي الغربي الذي يتخذ من دمشق وجهة له منذ أشهر حتى اليوم، بالتزامن مع خطاب سياسي أمريكي جديد، و"الهدوء النسبي" في الخطاب السياسي عند كل الأطراف لترطيب الأجواء "طبعاً باستثناء التصعيد العنصري في الخطاب الإسرائيلي"..

كل ذلك من شأنه أن "يوحي" بحدوث انفراجات على أكثر من جبهة "مبدئياً"، لكن نظرة متأنية إلى أفق آخر من شأنها أيضاً التأكيد أن الانفراج "الموحى به" ما يزال يعوم على سطح الأزمات، أو ما يزال في خطواته الأولى البطيئة، إن لم يكن ما يزال يحبو.. فالتوجه السياسي بضرورة سحب اصطلاحي "الممانعة" و "الاعتدال" من التداول السياسي الرسمي و"حتى الإعلامي أحياناً" كمؤشر على "التهدئة"، لم يغير في الواقع السياسي الإقليمي الشيء الكثير.. وثمة أكثر من دلالة على أن عملية التجاذب و"عض الأصابع" إن صح التعبير، وممارسة الضغوطات بين مختلف الأطراف ما تزال قائمة، وربما تكفي الإشارة هنا إلى حدثين فيهما ما يكفي من الإشارات إلى أن "التهدئة" العائمة على السطح السياسي لم تستطع حتى الآن أن تنتقل إلى عمق الأزمة لترتيب صورتها ورسمها مجدداً:

أولاً: النفق المظلم الذي لم تتمكن القيادات الفلسطينية الخروج منه حتى الآن عن طريق جلسات الحوار الفلسطيني، هذه الجلسات التي تعبّر بطبيعة الحال عن "انقسام عربي" تكوّنت في ظله حالة فرز بين "ممانعة" و "اعتدال" قائة حتى اليوم ولو لم تكن معلنة رسمياً.

ثانياً: التمثيل السوري والقطري في قمة عدم الانحياز المزمع عقدها في شرم الشيخ ـ مصر منتصف الشهر الجاري، هذا التمثيل الذي تحدثت عنه بعض المصادر عن أنه لن يصل حد التمثيل الوزاري، وهو يحمل من الدلالات والرسائل ما يكفي إلى القول إن ما هو عالق سورياً وقطرياً من جهة أولى ومصرياً من جهة ثانية ما يزال على حاله بمعزل عما حصل ويحصل على الخط السوري ـ السعودي.

مصر، كرافعة أساسية لما يسمى "الاعتدال" لا تخفي حذرها وخوفها من المكاسب التي حققها محور "الممانعة" عربياً وإقليمياً ودولياً، وفوق ذلك فإن حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي، ومعها شيمون بيريز، تشارك مصر هذا الحذر والخوف، وتصعّد من حدة التصريحات في محاولة للضغط على الخط المنفتح تجاه محور "الممانعة"، وهذه التصريحات على أية حال لا تعدو كونها رسائل "تحذيرية وتهويلية" موجهة للمنفتحين من العرب والغرب وفي المقدمة الإدارة الأمريكية، وربما كان آخرها منطق الابتزاز والمساومة التافه الذي استخدمه شيمون بيريز حول الجولان السوري المحتل وربط إعادته بفك العلاقة والارتباط بين سوريا وإيران!!.

ضمن هذه المعطيات تبدو كل التحركات بطيئة وحذرة وتسير بشكل هائم وبلا سمت واضح ومحدد ومنها بالطبع المصالحات العربية عموماً والمصالحة السورية ـ السعودية خصوصاً، بانتظار الانتقال من المساحات السياسية الرمادية التي تبدو اليوم هي الصفة الملازمة لكل التحركات.