يحق لفريدريك هوف مستشار المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط جورج ميتشل أن يطرح ما يشاء خلال لقائه المسؤولين السوريين، سواء أكان مختصاً في المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية أم لم يكن... وسواء أكان مولعاً بهذا الملف أم لم يكن.. ويحق له أن يقدّم رؤيته المفصلة التي كتبها بنفسه وكشفت عنها صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية تحت عنوان"ترسيم الحدود بين سوريا وإسرائيل".. ويحق لإدارته الأمريكية أن تجس النبض بين فترة وأخرى عبر مبعوثيها، وأن تبدي إعجابها وتحتفي وتبتهج كما تشاء بخط الحدود المقترح تحت عنوان "خط هوف"..

وعلى الضفة الأخرى، فلتقرّ كل اللجان الوزارية الإسرائيلية مشاريع قوانين تستدعي موافقة الكنيست الحالي واللاحق، أو تستدعي اللجوء إلى استفتاء رأي الإسرائيليين للشروع في عملية انسحاب كلي أو جزئي من الجولان السوري المحتل.. وليطلق المسؤولون الإسرائيليون ما يشاؤوا من تصريحات نارية تقوّض دعائم أي فرصة لسلام "سياسي وربما عسكري ولكن بالتأكيد ليس ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي" شامل.. وليظهر المسؤولون الإسرائيليون تمسكهم بالجولان السوري من أجل الأمن والسياحة و "النبيذ"!!.. وليمارس شيمون بيريز هوايته المفضلة في إلقاء المواعظ على العرب عموماً وعلى السوريين خصوصاً كي يقنع العالم بكذبة كبيرة بأنه "حمامة سلام".. هذه الكذبة التي لا تلبث أن تسقط سقوطاً مدوياً عند عتبة أي استحقاق جدي يضطر بيريز معه إلى الكشف عن منطق الابتزاز والمساومة الفظة والوقحة فيما يخص عودة الجولان إلى وطنه الأم.

ليفعل كل هؤلاء ما يشاؤون، وليتشدقوا بكل أنواع التهويم السياسي والدبلوماسي والتصريحات والكلام المعسول، وليمارسوا كل أشكال الفهلوة والتشاطر، وليتسلحوا بمختلف طرق تمييع القضايا المبدئية التي تساوي وجود المجتمعات بوصفها حق لا يمكن المساومة عليه، وليتمترسوا خلف نظرية "التفكيك والتفتيت" وخلف كل خرائط الطرق باعتبارها عملة سياسية واستراتيجية رائجة هذه الأيام..

نعم.. ليقوموا بما يحلوا ويطيب لهم.. لكن، هذا كله لن يحول الجولان إلى منطقة سلام بالمعنى السياحي والاستثماري، لأن الجولان ليس عقاراً أو قطعة أرض مطروحة للبيع والشراء، وليس قطعة أرض مجهولة النسب والهوية، وليس قطعة أرض مطروحة لبازار الشركات السياحية والاستثمارية العابرة للحدود والقارات، ولأن المطالبة باستعادة هذه الأرض لا تتوقف عند حدود أهميتها الجغرافية والاستراتيجية والاقتصادية والسياحية والاستثمارية، بل تتعدى ذلك لتصل إلى مساحات اجتماعية وثقافية وتاريخية وحقوقية تُختصَر كلها تحت عنوان: الهوية، وتحت عنوان: قطعة من الجسد..

بهذا المنحى يجب أن يفهم اللاعبون والقافزون والمبعوثون والمناورون والمساومون وواضعو الخطط وخرائط الطرق والخطوط "ومن ضمنهم هوف" ما الذي يعنيه الجولان بالنسبة إلى السوريين.. وبهذا المعنى يجب أن يعلم هؤلاء أن إعجابهم بمقترحاتهم لا يغير شيئاً في حقيقة الجولان، حتى ولو كان صحراء قاحلة.. الجولان كاملاً، أي جولان ما قبل الرابع من حزيران 1967 بكل تأكيد!!.