ما ان حصلت تفجيرات يوم الاربعاء الدامية حتى سارعت مختلف الاطراف العراقية الى توجيه الاتهامات الى اطراف اخرى داخلية وخارجية , في اطار تصفية الحسابات وتحقيق المصالح السياسية من غير ان يكون لهذه الاتهامات أي اساس من الادلة او البراهين , فاتهمت بعض الاطراف ايران , فيما اتهمت اطراف اخرى السعودية , وسارعت الحكومة العراقية الى اتهام البعثين والتكفيريين , وهو الاتهام الذي دعمته فيما بعد برواية ضابط الشرطة العراقي والبعثي السابق الذي عرضت الاحهزة الامنية العراقية اعترافاته على التلفاز, فيما ذهب الكثير من السياسيين والمحللين الى ارجاع هذه التفجيرات الى دوافع الاختلاف السياسي بين القوى السياسية العراقية , وهو ما يحمل في طياته اتهاما لجهات مثل المجلس الاعلى الاسلامي وربما التيار الصدري .

الحكومة العراقية من جهتها حاولت ايجاد شماعة او كبش فداء لتعليق المسؤولية عليه , وابعاد تهمة التقصير عن كبار القادة السياسيين والعسكريين , فكان كبش الفداء الاول هم صغار الضباط والمراتب المسؤولين عن حماية المناطق المستهدفة , حيث تم توقيفهم وتشكيل لجان للتحقيق معهم , ثم كانت الخطوة الثانية تتمثل باعلان القاء القبض على الشبكة المسؤولة عن التفجيرات بعد فترة وجيزة لاتتعدى اليومين , مايثير التعجب والتساؤل حول مااذا كانت القوات الامنية العراقية تمتلك مثل هذه الامكانية المذهلة , فلماذا هذا التردي والفلتان الامني ؟ ولماذا لاتقوم القوات الامنية العراقية بالقاء القبض على مثل هذه الشبكات قبل تنفيذ اعمالهم الارهابية .

ثم كانت الخطوة الاخرى هي عرض اعترافات من ادعت الاجهزة الامنية العراقية انه الرأس المدبر للتفجيرات , وهو ضابط شرطة سابق وعضو في حزب البعث العراقي , والذي ادعى انه خطط للعملية بناء على اوامر من قياديين بعثيين عراقيين موجودين في سوريا ,ذكر منهم اسمي محمد يونس الأحمد وسطام فرحان .

الى هنا ويبدو الامر معتادا عراقيا , اذ من العادة توجيه الاتهام في المسؤولية عن الاعمال الارهابية الى حزب البعث العراقي مناسبة ومن غير مناسبة , كما ان اظهار الاجهزة الامنية العراقية لاعترافات اشخاص بالقيام باعمال ارهابية معتاد ايضا , وفي كثير من الاحيان يتضح كذب هذه الاعترافات , وانها انتزعت بالضغط والتعذيب , كما حصل في مسرحية اعتقال ابو عمر البغدادي زعيم مايسمى ب’دولة العراق الاسلامية’ حين اظهرت الاجهزة الامنية العراقية اعترافات من قدمته على انه ابو عمر البغدادي ليتضح فيما بعد انه رئيس المجلس البلدي لبلدة بهرز في محافظة ديالى العراقية , او كما حصل في اعتقال قاتل الصحفية العراقية اطوار بهجت الذي اعلنت السلطات العراقية القاء القبض عليه قبل عامين ثم عادت قبل فترة وجيزة لتعلن القء القبض على القاتل الحقيقي , لهذا فان لااحد يأخذ مثل هذه التصريحات والاعلانات على محمل الجد , بعد ان فقدت هذه الاجهزة مصداقيتها وتبين كذبها اكثر من مرة.

ولكن الغريب حقا ان تقوم الحكومة العراقية باخذ هذه الاعترافات على محمل الجد , وان تبني عليها وتقوم بسحب سفيرها من دمشق وتطالب السلطات السورية بتسليم القياديين البعثيين الذين تم ذكر اسمائهم , اذ ان الحكومة العراقية تعلم جيدا ان سورية حريصة كل الحرص على تحقيق الاستقرار والامن في العراق وانها حريصة ليس فقط على توثيق العلاقات مع العراق , بل وعلى بناء علاقة شراكة ستراتيجية بين البلدين , كما دعا الى ذلك الرئيس الاسد في اكثر من مناسبة , كما ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يعلم قبل غير انه ليس من عادة سوريا تسليم اللاجئين السياسيين لديها من غير ان تكون هناك ادلة ملموسة تدينهم , ولولا ذلك لما كان المالكي نفسه في الحكم , وهو الذي قضى فترة طويلة من حياته لاجئا في سوريا ايام حكم النظام السابق.