الأزمة العراقية ـ السورية الحالية، سواء أكانت مفتعلة عراقياً أم لم تكن، تكشف بشكل واضح عما يمكن تسميته رسم الملامح الأولية لصورة المنطقة الذي تمت المباشرة به مع الاحتلال الأمريكي للعراق، حيث بدا واضحاً منذ ذلك الوقت أن معالجة الأزمات العربية ـ العربية واحتواءها لم تعد منوطة بالنظام العربي أو المنظومة العربية، إنما هي منوطة بأدوار إقليمية تساهم أيضاً في رسم الصورة الجديدة للمنطقة.
في هذا السياق، جاء التحرك السريع الإيراني التركي لاحتواء الأزمة السورية ـ العراقية، انطلاقاً من قاعدة رؤية إقليمية لتشابك الأزمات يُراد تكريسها، حتى ولو كانت الأزمة عربية الأطراف.. على عكس ما كان يحصل في السابق حين كانت الجامعة العربية الأسرع في تلقف الأزمات وإيفاد المبعوثين للملمتها، حتى ولو كان ذلك يتم على القاعدة التراثية العربية العريقة: "تبويس اللحى والهمروجات الإعلامية و حبّوا بعضكن و.. عفا الله عما مضى"!!.
اليوم ومع اختلاف الصورة، فإن هذا الدور "الأبوي الكلاسيكي" لم يعد مطلوباً أن تمارسه جامعة الدول العربية، كي لا نقول إنها غير قادرة على ممارسته.. ولا شك في أن ردّ الفعل الرسمي ومستوى التجاوب للجامعة العربية في تعاطيها مع هذه الأزمة يقدّم مثالاً واضحاً عما هو مرسوم ليس إقليمياً فقط وعلى صعيد توزيع الأدوار، إنما أيضاً على صعيد ما هو مطلوب من الجامعة نفسها.
وإلا، فماذا يعني هذا التحرك التركي ـ الإيراني السريع ممثلاً بوزيري خارجية البلدين باتجاه دمشق وبغداد، في حين لم يقابله أي تحرك عربي سوى بعض التصريحات الخجولة واليتيمة لأمين عام جامعة الدول العربية عن أن الأزمة العراقية ـ السورية ستتصدر جدول أعمال الاجتماع المقبل لمجلس جامعة الدول العربية الذي سينعقد في التاسع من الشهر الجاري على مستوى وزراء الخارجية العرب؟!..
وماذا يعني أن تكتفي الجامعة وبلسان أمينها العام بالإعلان عن أنها تقوم بدور كبير وجهد واضح ـ أين ومتى وكيف؟!.. لا أحد يعرف!! ـ من أجل معالجة الأزمة بين العراق وسوريا؟.. وماذا يعني أن الجامعة تدعم أي جهد آخر يبذل من أجل احتواء الأوضاع.. في إشارة إلى التحرّكين الإيراني والتركي بالتزامن مع دعوة وزير الخارجية التركي داود أوغلو لحضور جلسة الجامعة العربية في التاسع من الشهر الحالي لبحث الأزمة السورية العراقية وإطلاع مجلس الجامعة على الجهد التركي ـ وماذا عن الإيراني؟! ـ في هذا الاتجاه؟..
الإجابة عن هذه الأسئلة، وفي ظل المتغيرات الحالية، لا بد ستقود إلى خلاصات واستنتاجات كثيرة تخص أدواراً إقليمية لاحتواء الأزمات العربية بعيداً عن تأثير الجامعة العربية ـ المتهالك أساساً ـ والتي على ما يبدو أنها ما تزال تمتلك قدرة على التحرك لكن هذه القدرة محكومة بسرعة السلحفاة أحياناً، وأحياناً أخرى محكومة بالقيام بدور المتفرج المراقب فقط!!.
استنتاج آخر مهم، فيما يخص دور الجامعة العربية الحالي والمستقبلي، لا بد من الوقوف عنده وهو أنها باتت تتقن وعلى نحو مميز صيغة "الحج والناس راجعة"!!.. وهذا يعني ، وربما عما قريب، دعوة لإطلاق إعلان صريح وواضح: الجامعة العربية.. على الدنيا السلام!.. ليس باتجاه إلغاء الدور العملي الفاعل فقط، إنما حتى باتجاه إلغاء الدور التقليدي الخاص بـ "تبويس اللحى"!!.