تأخر وصول السفير الأمريكي إلى دمشق، لكن مسار العلاقات السورية - الأمريكية انتقل بالفعل من حيز التصادم إلى ما أُطلق عليه "الحوار" الذي استمر دون أن يلامس عناصر التناقض الحقيقية بين البلدين، وربما لهذا السبب لم يصل السفير الأمريكي إلى دمشق، ولم تظهر قفزات في المسائل العالقة، لكن الكثير من التقارير تحدثت عن نقاط يتم مناقشتها فالحوار عبر عام كامل مر بمرحلة كسر البرود ووصل إلى تحديد ملفات يجب معالجتها.

هذا الأمر لا يمكن المرور عليه بشكل عابر، حيث بات واضحا أن مرحلة ما بعد احتلال العراق تأخذ مسارا مختلفا رغم أن الوضع بشكل عام بقي متوترا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو الجديد في نظرة الولايات المتحدة إلى دمشق؟ وهل انتهى زمن الضغوط المباشرة، أو التخويف بالعزلة؟ وهذا السؤال ربما لم يحسم بعد لكنه بات محصورا بحملة من الاحتمالات، على الأخص ان مسألة "التخويف" أو حتى "العزلة" تم كسرها حتى قبل مجيء إدارة أوباما، وقامت دمشق بإيجاد بدائل "إقليميين" فاستطاعت في ذروة الأزمة أن تفاوض "إسرائيل" بشكل غير مباشر عبر وسيط تركي، وهذه المفاوضات بذاتها مؤشرا على أن دمشق كانت تملك مساحتها الخاصة رغم سياسات واشنطن في زمن إدارة الرئيس جورج بوش الابن.

وإذا بقينا في مساحة الاحتمالات الخاصة بالعلاقات السورية - الأمريكية فإننا نلاحظ أن "الهدوء" الأمريكي بشأن تطوير هذه العلاقات يقابله أيضا عدم اكتراث سورية، بل ربما على العكس فإن دمشق أعادة صياغة علاقاتها مع طهران، علما أن الرهان كان بابتعاد سورية عن إيران كلما تطورت علاقاتها مع الولايات المتحدة، وظهر خلال العام الماضي نوع من الفصل بين علاقات سورية الإقليمية ومسألة الحوار مع واشنطن وتحديد أجندة لعودة السفير، وهذا الأمر شكل عدم ارتياح لعدد من المسؤولين الأمريكيين إضافة لإيجاد اكثر من رأي حول سورية في أوساط الإدارة أو حتى الكونغرس.

ويبدو أن الرئيس أوباما لم يحسم بعد الموقف، وهو يعتمد تكتيكا مشابها لما قام به خلال مناقشة مسألة أفغانستان، عندما أصبح الانتظار سيد الموقف وفي النهاية استمرت الحرب وتم إقرار بجدول لسحب القوات دون أن تنتهي الأزمة، فالتردد الأمريكي ربما سيميز العلاقات مع سورية خلال العام القادم، بينما سيبقى "الحوار" آلية وحيدة عبر جولات جورج ميتشل إضافة لوفود من الكونغرس، فما يهم الإدارة الأمريكية الآن هو عدم العودة للتوتر حتى ولو لم يأدي هذا الأمر إلى علاقات طبيعية.