الكاتبة : ربى الحصري

هي مجرد معلومات ربما لم يعتد القارئ العربي بالدرجة الأولى عليها، فبغض النظر عن صحتها لكنها تضع مكاشفة أساسية وعلى الأخص في نسختها الجديدة، حيث يبدو أن هناك حالة يمكن تسميتها ما خلف السياسة، فمجرد الحديث عن تحريض عربي ضد إيران يعيد الأوراق لمنطقة مختلفة عن المشهد السياسي الحالي.

في الإعلام العربي هناك جناح كامل يحرض بشكل أو بآخر ضد إيران، وهناك قضايا متوفرة للتحرض ضد حهات أخرى، لكن المكاشفة اليوم هي على المستوى الرسمي فالمفاجأة ليست في المواقف المعروفة حتى ولو لم تعلن، بل في ظهورها للعلن وفي ردود الفعل التي يمكن أن تظهر مستقبلا، فوثائق ويكليكس هي في النهاية "مشهد معلوماتي" سيدخل إلى مجال النقد، على الأخص في تقاطع المعلومات، علما أن المعلومات التي تتوفر دائما هي من مذكرات القادة بعد الاستقالة، وهي غير خاضعة للتدقيق على الأخص إذا كانت مذكرات جورج بوش على سبيل المثال أو دونالد رامسفيليد الذي يستعد لنشر مذكراته.

في عالم السياسة الغربي وثائق ويكليكس لها وقع مختلف عن عالمنا، لأنها تشكل وبسرعة خلايا بحث وتدقيق حتى ولو كان عمل هذه المجموعات بعيدا عن الإعلام، فالمعلومات المتسربة ستصبح جزءا من نظم البيانات التي تتم مراجعتها بشكل كامل، والعودة إليها لتشكيل "مهام جديدة" أحيانا، وهي مسألة لا تريح السياسيين، لأنهم سيجدون أن تاريخهم موضوع تحت المجهر، وذلك قبل أن يمضي زمن يجعل من هذا التاريخ مجرد مجال بحث بدلا من مجال تشهير كما يحدث اليوم.

وهناك ملاحظة أخرى حول تلك الوثائق التي تجعل من العالم مغلقا على الأقل بالنسبة للأداء السياسي الغربي، حيث لم يعد هناك "مصالح مخبأة" فهي باتت موجودة علنا في زمن تسرب المعلومات، وهو ما يجعل السياسة حذرة وربما بطيئة، لأنها ستجد نفسها سريعا تحت الأضواء بكل ما تملكه من "نوايا"، علما أنه في تاريخ السياسة كان المعلن هو الأمر الذي يتعرض للنقد والاعتراض، أما اليوم فإن القسم الموجود في "الظل السياسي" يبدو أكثر أهمية من النتائج الظاهرة أو من التصريحات الرسمية.

التأثير الأكبر في وثائق ويكيليكس هي في اللون الإعلامي الذي يظهر اليوم، معتمدا على طبيعة العالم الذي يبدو مكشوفا بحيث يصبح الإعلام الإلكتروني نموذجا مختلفا لا يبحث عن التنسيق وترتيب الخبر ووضع سياسة التحرير، بل هو زرع للشك دون ترتيب أو تنسيق لأنه شك دائم طالما أن "منطقة الظل" أصبحت تحت الشمس، فالإعلام الافتراضي ليس بديلا بل مواز لإعلام أصبح يشكل أمبرطوريات قادرة على إعادة تشكيل الحقائق بالشكل الذي تريده، فصحيفة الفيغارو أو دير شبيغل أو حتى قناة CBC الكندية كشفت القرار الظني بطريقة منظمة مخالفة لما قدمه موقع ويكليكس من "وثائق" ترك للآخرين فهمها كما يريدون.

موقع ويكليكس ليس منزها عن الأغراض، وتوقيت نشر الوثائق يحمل أحيانا إشارات استفهام، إلا أنه في نفس الوقت طرح "النموذج" المختلف للحملات الإعلامية التي غالبا ما ترافق بداية ظهور استراتيجية معينة.

هذا في الثقافة الغربية.... فماذا عن إعلامنا وثقافتنا؟ هو موضوع مختلف يمكن أن الحديث عنه بشكل مستقل، فللحديث بقية.