الكاتب : حسان عبه جي
الأمر أصبح ينطلق من "الاستيطان" وينتهي عند مساحة "المبادرات"، فيتم خلق أزمات مجانية تظهر مع آلية سياسية يمكنها "احتواء التوتر" ولكن بشكل افتراضي.. كيف؟! الأمر لا يحتاج سوى لمراجعة سجل التفاوض مع "إسرائيل"، حيث يبدو أن لكن زمن أزمته الخاصة المنفصلة بشكل كامل عن "مشكلة الاحتلال"، فكلما ابتعدنا عن عام 1967 يتشعب العمل السياسي الذي انطلق أساسا من القرار 242.
المبادرة الأمريكية اليوم تحاول ترتيب التفاصيل، وتاريخ التسوية أساسا هو محاولة لترتيب التفاصيل قبل الاتفاق على الخطوط العامة، فالاستيطان على خطورته هو في النهاية نتيجة للاحتلال، بينما البحث في إيقافه بشكل مؤقت أو توزيعه يبدو وكأنه هروب من إقرار شرعية وجود الدولة، لكن هذه الآلية تبدو حتى اللحظة ناجحة، لأنها تدفع بالجهاز السياسي للسلطة الفلسطينية نحو انحراف جديد عن المسار التفاوضي الأساسي، وتعمق النقاش العبثي حول مسألة التسوية أو رفضها، فكلما زادت التفاصيل زاد معها حجم التشابك بين جهاز السلطة و "إسرائيل"، وأصبح من الصعب البحث عن نقاط فاصلة داخل "الدولة الفلسطينية" التي تريد السلطة إنجازها.
ما يحدث منذ الانتفاضة الثانية، وربما منذ اوسلو، هو تحول نقاش التسوية إلى شأن "إسرائيلي داخلي"، حيث يبدو الجهاز التنفيذي للسلطة منغمس أكثر في "المهمة الإسرائيلية" الأساسية في الحفاظ على مسار التسوية، وذلك عوضا عن كونه جهاز لتكريس وجود الدولة الفلسطينية، فهو من حيث الهدف يشبه "الجيش المحلي" الذي ظهر في عهد "المستعمرات الكبرى"، فهو لصيق بالإجراءات "الإسرائيلية" وليس بتحقيق "السيادة.
بالطبع فإن السلطة الفلسطينية ستحاول الابتعاد ولو إعلاميا عن "المبادرة الأمريكية" الأخيرة، لكن في تفاصيل عملها على الأرض فهي مضطرة للتعامل مع "الاحتلال" وهي تقوم على هامش تحركات الحكومة "الإسرائيلية"، وتسهل مهامها في كثير من الأحيان، والسؤال هنا كيف ستستطيع السلطة "إقرار الدولة" داخل مجلس الأمن إن تحقق هذا الأمر بشكل منعزل عن حجم التفاصيل التي تربطها بالاحتلال؟
هذا السؤال هو محور الخلافات التي تنشأ دائما بين "السلطة" و "حماس" لأنه خلق عبر الزمن انعدام الثقة، فبغض النظر عن مواقف حماس لكنها تتحرك على أرض مجابهة مع "إسرائيل"، بينما تعمل السلطة داخل "البيئة الإسرائيلية"، فهل يمكن وفق هذا الواقع التوصل إلى مصالحة أو حتى الحديث عنها مهما جرت لقاءات ومشاورات بوساطة عربية أو بدونها!
المبادرات الأمريكية لوقف الاستيطان لن يكون هدفها تعطيل المصالحة، فهي أساسا لا ترى "السلطة" إلا جزء من آليات التحرك "الإسرائيلي"، لكنها تقوم بتطبيع واقع الاحتلال مع الحالة السياسية للسلطة ومع المجتمع القائم في الضفة، وفي كلا الحالتين فإن هذا التطبيع يبقى "افتراضيا" ليس لأن "السلطة" تريد اعاقتها بل لأن الاحتلال نفسه لا يستطيع احتمال الوجود الفلسطيني إلى جواره.