الكاتب : حسان عبه جي

الاعترافات المتتالية من قبل بعض دول أمريكا الجنوبية بـ"دولة فلسطين" لا يدفع السلطة في الضفة الغربية إلى مراجعة حقيقية، وهي ربما تفاجأت بهذه المواقف المتسارعة وسط خيبتها من أفق عملية التسوية، فالسلطة عمليا لم تتحرك ديبلوماسيا، وعلى الأقل لم يظهر هذا التحرك إعلاميا، لانتزاع الاعتراف بها من قبل دول خارجة عن إطار الولايات المتحدة، وربما يبدو الموقف اليوم خارجا عن المألوف بالنسبة لها وحتى بالنسبة لـ"لجنة المتابعة العربية".

ما يبدو اليوم على أنه اعتراف بـ"دولة فلسطين" يشكل نقطة افتراق خارج عملية التسوية، وهو يحمل بمظهره خروجا عن مألوف العملية السياسية المرتبطة بأزمة الشرق الأوسط، ففي السابق وتحديدا في بداية السبعينيات شهدنا حركة مشابهة على طول القارة الأفريقية، تم من خلالها سحب الاعتراف بدولة "إسرائيل"، لكن ما حدث بعد ذلك كان كارثيا، فعملية الاستثمار السياسي لهذه الظاهرة انتهت مع "خروج" العرب من القارة الإقريقية وعلى الأخص مصر، والسؤال هل يمكن أن يحدث أمر مشابه في أمريكا الجنوبية؟

السؤال مفتوح على احتمالات تبدو حتى اللحظة دون حد التفاؤل، لأن هذا التحرك من قبل بعض دول أمريكا اللاتينية لم يصب على ما يبدو داخل "العقل السياسي" المصر على إبقاء قواعد اللعبة في التسوية على ما هي عليه، بل وأكثر من ذلك فهو يقدم للولايات المتحدة فرصة إضافية لتثبيت هذه القواعد في ظل "واقع إسرائيلي" لن يحمل بالتأكيد أي جديد، وفي المقابل تبدو لجنة المتابعة منشغلة بالرد الأمريكي أكثر من كونها لجنة للترويج للمبادرة العربية للسلام على علاتها، فمهامها على ما يبدو ضبط إيقاع الحركة السياسية للتسوية على الجانب العربية، أكثر من كونها لجنة لخلق آليات خاصة لتفعيل المبادرة.

الاعترافات الحالية ليست ظاهرة مجانية، وهي إضافة لكونها رسائل موجهة للجانب العربي، فهي أيضا جزء من صراع دولي مع الولايات المتحدة، فهي تفتح هامش حقيقيا على السياسة العربية عدم تجاوزه، وهي حتى اللحظة تتجاوزه، فالمسألة ليست في "تقدير" التحرك الأمريكي الجنوبي، لأن هذا الأمر لا وجود له في السياسة، إنما بمراجعة الموقف الدولي الحالي لرسم مساحة دبلوماسية يمكنها أن تفرض عوامل جديدة على القواعد التي تحاول "إسرائيل" تكريسها، فهل ستظهر خيارات عربية جديدة؟

ليس هناك أي مؤشرات توحي بتحول في التعامل الدبلوماسي العربي، لكن بالتأكيد فإن الفرص الآن متوفرة على جانب خاص وهي فرص وفرتها "غزة" تحديدا بعد أن تحولت خلال عامين لـ"رمز" خاص... وخيار المقاومة على قسوته يبدو في ذكرى الحرب على غزة استطاع توفير مناخ سياسي إضافي، حتى ولو تم تجاهل ما حدث أو تجاوز ظاهرة سياسية تتبلور اليوم في أمريكا اللاتينية.