الكاتب : طه عبد الواحد

الحل ليس في الشرق الأوسط بل في البيت الأبيض ونيويورك
أجرى ألكساندر سلطانوف مبعوث الرئيس الروسي، نائب وزير الخارجية الروسية جولة في المنطقة شملت بيروت ودمشق استمرت ثلاثة أيام (من 11/12 ولغاية 13/12/2010) عقد خلالها لقاءات مع القيادات والشخصيات السياسية في العاصمتين. وأتت زيارة سلطانوف إلى المنطقة في المرحلة التي بلغت فيها حدة التوتر نقطة الخطر على خلفية الجدل الدائر في لبنان حول القرار الظني في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، إلى جانب تعثر عملية التسوية وعدم توصل الفرقاء الفلسطينيين حتى الآن إلى صيغة تعيد لهم وحدة صفوفهم. من هنا يُنظر إلى الزيارة على أنها "زيارة تعرف على الوضع عن كثب" وتبادل آراء ووجهات نظر مع القوى الفاعلة في المنطقة والمؤثرة على ملفاتها الساخنة.
في بيروت بحث سلطانوف مع سليمان والحريري عملية التسوية والوضع اللبناني والعلاقات الثنائية دون أن يقدم أية مبادرات روسية بأي من هذه الملفات. وفي دمشق التقى في اليوم الأول مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وبحث معه أيضاً عملية التسوية والحوار الفلسطيني-الفلسطيني ودعا إلى ضبط النفس وعدم القيام بخطوات من شأنها زيادة حدة التوتر، كما أكد على أهمية مضي الفلسطينيين بالحوار لاستعادة وحدتهم الداخلية لتحقيق ما يطمحون إليه، حسبما نقلت وكالة نوفوستي. وفي اليوم الثاني في دمشق عقد سلطانوف محادثات مع القيادات السورية بحث خلالها كل الملفات العالقة في المنطقة (الوضع اللبناني والتسوية في الشرق الأوسط) إضافة إلى العلاقات الثنائية بين البلدين. ما يعني أن جولته ليست أكثر من جولة تشاورية ومتابعة للتنسيق المستمر بين القيادات في روسيا وسورية ولبنان.

إلا أن توتر الأوضاع في المنطقة لاسيما على خلفية الفشل النهائي لعملية التسوية نتيجة التعنت الإسرائيلي، إضافة إلى احتمال عودة التوتر إلى لبنان على خلفية تطورات قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحراري تدفع إلى الاعتقاد بأن الهدف من زيارة سلطانوف التعرف على مجريات الأمور عن كثب وسماع آراء القيادات في الدول المعنية لينقل بعد ذلك وجهات النظر إلى القيادة الروسية التي يتوقع خبراء أن تعلن في وقت قريب عن خطوات لنزع فتيل التوتر من المنطقة وربما مبادرة لإحياء عميلة التسوية.

ويرى الخبراء أن روسيا تشغل منذ زمن موقف المتفرج الإيجابي، كمن يتحين اللحظة المناسبة ليعلن عن خطوات من شأنها إحداث تغيير فعلي على أرض الواقع في المنطقة. إذ هناك مؤشرات تدل على أن روسيا تبحث عن أية أفكار جديدة لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، من هذه المؤشرات المؤتمر الذي انعقد مؤخراً في مالطا ونظمته وكالة الأنباء الروسية "نوفوستي" بالتعاون مع مجلس السياسة الخارجية والدفاع ومعهد الاستشراق الروسي، وشارك في المؤتمر شخصيات سياسية وخبراء من دول عربية وإسرائيل وعدد من الدول الأخرى. في ذلك المؤتمر المنعقد بعنوان "سيناريوهات التسوية في الشرق الأوسط" رأى "أب الدبلوماسية الروسية" يفغيني بريماكوف أنه من الضروري عرض خطة بديلة عن "خارطة الطريق" وإشراك دول عربية وقوى كبرى أخرى مثل الهند في التسوية، ورجح أن التسوية تعثرت بسبب احتكار الولايات المتحدة للوساطة فيها مقابل "خمول" الأطراف الأخرى لاسيما روسيا والاتحاد الأوربي وهيئة الأمم. وأكد بريماكوف أن السياسة الإسرائيلية هي سبب فشل عملية التسوية، مشيراً إلى أنه ربما من المجدي ترك التسوية إلى زمن أفضل. أما ميخائيل مارغيلوف رئيس لجنة السياسة الخارجية في مجلس الشيوخ الروسي فقد دعا إلى فتح حوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين الناطقين بالروسية، معتبرا إنه بوسع المجتمع الدولي أن يأخذ على عاقته دور الوساطة فقط أما حل النزاع بحد ذاته فهو بيد طرفيه.

وقد عرض المشاركون في المؤتمر وجهات نظر عدة تمحورت كلها على البحث عن حل ضمن المعطيات الحالية دون أن تظهر أية أفكار جديدة من حيث المبدأ. ومع كامل التقدير لجهود روسيا وما اقترحه الخبراء في مؤتمر مالطا أو في أماكن أخرى من أفكار لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، فإن تعثر التسوية والتأزم في لبنان ليسا سوى جزء من مجموعة نتائج للحالة المرضية التي يعاني منها المجتمع الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة وحتى يومنا الحالي. إذ يبدو غريباً جداً ومستغرباً كيف يذهب أعضاء هذا المجتمع إلى تبني عقوبات بحق إيران على أساس اتهامات افتراضية لم تُثبت صحتها حتى الآن، بينما يكتفون بإعلان مواقف كلامية لا حول فيها ولا قوة حيال رفض إسرائيل لرغبة المجتمع الدولي بإيقاف الاستيطان على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تكون القدس الشرقية عاصمة لها. إن إسرائيل لم ترفض رغبة المجتمع الدولي فحسب بل وترفض تنفيذ كل القرارات الصادرة عن هيئة الأمم ومجلس الأمن بشأن النزاع العربي - الإسرائيلي، وترفض الانسحاب من أراض عربية احتلتها يقر المجتمع الدولي بأنها أرضي محتلة. حتى إن القوة الأكبر في العالم، الولايات المتحدة، وعلى الرغم من إفشال حكومة نتنياهو لمساعيها في التوصل إلى تسوية، ما زالت تعلن عن دعمها وتأييدها لإسرائيل.

ليست منطقة الشرق الأوسط وحدها التي تعاني كضحية من الحالة المرضية التي يعاني منها المجتمع الدولي ومنظومة العلاقات الدولية، حتى روسيا نفسها تعاني من هذه الظارهة. إذ أظهرت الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس أن الولايات المتحدة وحلف الناتو ما زالا ينظران إلى روسيا بعداء لا يختلف عن النظرة إليها في حقبة الحرب الباردة، وهذا بعد كل العبارات الرنانة التي أطلقها أوباما ومن بعده قادة دول الناتو وأكدوا فيها، خداعاً، أنهم يسعون إلى بناء شراكة إستراتيجية حقيقية مع روسيا. لا شك بأن هذه السياسة ستعيد التوتر إلى العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة وستجر العالم إلى سباق تسلح من جديد. لهذا يبدو أن حل أزمة الشرق الأوسط ليس موجوداً في المنطقة بل في البيت الأبيض وفي مقر هيئة الأمم، لأنه قبل إصلاح هذه المنظمة الدولية ودون إقامة نظام دولي عادل تشارك كل الدول في اتخاذ القرارات فيه، لن يتم التوصل إلى حل لأي نزاع في العالم، لاسيما النزاع في الشرق الأوسط الذي يكفي لحله وجود وسيط عادل يملك الإرادة والإمكانيات لفرض الشرعية الدولية والقرارات الصادرة عنها كأساس لتسوية القضية الفلسطينية.

إن تعثر عملية التسوية والتوتر في لبنان والمنطقة ككل ليست سوى نتائج يتطلب حلها البحث عن الأسباب ومعالجتها، وعليه فإن روسيا مطالبة اليوم بتبني مواقف أكثر حزماً ووضوحاً من السياسة الأميركية بعد أن أثبت الزمن فشل سياسة "الإرضاء" لتغيير نهج هذه السياسة. إصلاح المجتمع الدولي سيؤدي بحد ذاته إلى حل عادل لأزمة الشرق الأوسط، كما سيعفي روسيا من توتر سيشوب علاقاتها مع الغرب في المستقبل القريب إن لم تبادر- كونها قوة كبرى- بحزم لبناء عالم مختلف.