الكاتب : ربى الحصري

ليس مجرد خيال، فرغم ان الصور التي أحملها في ذاكرتي عن الميلاد مليئة بالثلوج وبالمغارة التي طالما تخيلت أني أطوف بها، لكن كنيسة المهد تحتاج في هذه اللحظة إلى "ثلوج" مختلفة ولا علاقة لها بما يحدث هنا على امتداد الجزر البريطانية، فلهذه الكنيسة قصة أخرى متعلقة بنوعية الرمز الذي يغيب بشكل تدريجي.

مشكلة الرموز اليوم انها تأخذ الجغرافية الفلسطينية بعيدا، بينما تنغلق السياسة إلى أبعد الحدود وتصبح حبيسة "المقاطعة" في رام الله، أو داخل غزة المحاصرة أصلا، وما بين الإغراق في المحلية والأبعاد الدولية لتلك الرموز تصبح فلسطين حالة مشبعة بالغموض، بينما على المقلب الآخر تبدو "الرموز الإسرائيلية" أكثر وضوحا وتحديدا، فهل يمكن ابتداع رموز جديدة؟!

الأمر لا يحتاج إلى تلك العملية التي يمكن عبرها الهروب من التاريخ، فالرموز موجود وربما علينا أن نعيد وضعها في مسارها الحقيقية، أو داخل الإطار الذي يمكن أن يعبر عنا، فبقدر "عالمية" كنيسة المهد نحاول نحن التمركز فقط داخل مكان واحد، وإسقاط الاحتلال من البقعة التي رسمت خطا حضاريا مختلفا ومعاكسا لحالة الانغلاق التي كانت سائدة، حسب المرويات اليهودية، فخرج السيد المسيح من المكان الطبيعي لظهوره حيث الثقافة قادرة على حمل التنوع والانفتاح وربما تقديم "حضارة رسولية",

شروط الرمز الديني اليوم هي أن تكون بعيدة عن الظرف السياسي، أي الاحتلال رغم أن هذا الواقع ليس سياسيا، بينما تبدو مهمتنا في وضع الاحتلال كحالة تقوم بسلب هذا الرمز كل معانية، وبتجريد الجغرافية من ميزتها الأساسية، فالمسألة اليوم ليست تعايشا إنما كسر معادلة حضارية من خلال طرح يهودية الدولة.

لماذا أصبحت يهودية الدولة حالة طبيعية في الخطاب السياسي العالمي؟ إنه سؤال ينطلق من أنفسنا لأننا أصبحنا نختار رموز لنضعها في إطار التعامل مع الاحتلال، بينما تستطيع كنيسة المهد استرجاع الذاكرة وتقديم واقعا شكل ثقافتنا عبر التاريخ، فنحن لا نملك الفيض الديني فقط بل أيضا القدرة على التحرر من "الصرامة" التي تفرضها الكثير من المعتقدات التي تريد رسم الرموز الدينية على شاكلتها.

تظهر المغارة وكنيسة المهد في كل المساحات الأوروبية، لكنها مغارة بلا جغرافية، ومجردة من التاريخ الحقيقي الذي يمكن أن يعيد تشكيلها، فتلك المغارة هي المنطقة التي شكلتنا، وهي تخصنا، وأخيرا هي تقف في وسط "الاحتلال" الذي لا يسلبنا حقنا بل يمنع "ثقافة المغارة" من الانطلاق في الاتجاهات الأربع.

مازلت أذكر صوت فيروز وهي تغني بعد هزيمة 1967 "الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان".. وهما مازالا يبكيا "لأجل من تشردوا... لأجل أطفال بلا مدارس".... هو وجه يبكي لأنه يقف اليوم أمام الحالة التي أراد المسيح بظهوره أن يحررنا منها، فأحمل شمعة في شوارع لندن أحضرتها خصيصا من بيت لحم بعد أن تم صنعها في حيفا ونقلها فلسطيني يعشق الأرض إلى القدس ثم عبر "النهر المقدس" إلى الضفة الأخرى، وسارت على خطى بولس نحو دمش قبل أن تصل إلى يدي.... السيد المسيح لا يذكرني اليوم إلى بالاحتلال وبأن صليب خلاص سيبقى رمزا ربما يخص الجميع لكنه جزء من تراب بللادي وسنديانها.