الكاتب : جورج حاجوج

إذاً، هو اعتراف بدولة فلسطين "الحرّة المستقلة"، ولو كره الكارهون؟!.. جيد، وهذه نقطة تُسجل ـ نظرياً ـ لصالح قيام الدولة المنشودة.. لكن، هذا لا يعني بأي حال من الأحوال ـ عملياً ـ أنه تعجيل وإسراع في تحويل الدولة، التي ما تزال حبراً على ورق، إلى أمر واقع.. ولا يعني ليّ ذراع "إسرائيل" و الولايات المتحدة الأمريكية ومعهما "الفيتو" الخاص بواشنطن!.

الحقائق على الأرض، والمعطيات والتجاذبات والتنافر الفلسطيني ـ الفلسطيني الذي يراهن بعض أطرافه "أركان السلطة الفلسطينية على وجه التحديد" على دعم واشنطن ومنحها له شهادة حسن السيرة والسلوك، وهذا علني، ويراهن أيضاً على "قبول إسرائيل"، ولو من تحت الطاولة، أو خفية من خلف الكواليس.. كل هذا يشير إلى الاتجاه الذي تسير نحوه تلك الدولة، ومن دون التطرق لموقف واشنطن وتل أبيب، القادر في إية لحظة على تمزيق هذه الدولة نُتفاً نُتفاً باعتبارها "دولة على ورق" وفي أية لحظة يشاء أحدهما!.

التلويح بقيام الدولة من طرف واحد، ومسارعة بعض الدول إلى الاعتراف بها دولة مستقلة، والاشتراط العربي والفلسطيني بعدم العودة إلى المفاوضات غير المباشرة أو المباشرة إلا بعد تجميد الاستنيطان في القدس وفي الضفة وغيرها مما يُسمع ويقال على المنابر.. كلها بلا شك خطوات إيجابية، إذا ما تم التعاطي معها استناداً إلى قاعدة "الرّمد أحسن من العمى"!.

يستطيع أيّ كان أن يعلن، ومن دون أن يحاسبه أحد، أنه سيقيم دولة على سطح القمر أو المريخ، ويمكن له أن يضع لها دستوراً وأنظمة وقوانين وتشريعات لا يُشق لها غبار!.. إنما ما قيمة كل هذا إن كانت هذه الدولة غير قابلة للاستمرار والحياة، لطالما أنها مجرد فكرة على الورق، ويمكن لأيّ كان أيضاً أن يمزق الدستور والأنظمة والتشريعات "تماماً كما فعل البيك في مسرحية غربة"؟!.

حال الدولة الفلسطينية اليوم يشبه حال الدولة في القمر أو المريخ، لأنها فعلياً "دولة على الورق"، على الرغم من وجود "سلطة وحكومة ووزراء" والأهم من هذا كله: أجهزة أمنية تنسق على مستويات عالية في الضفة الغربية مع واشنطن وتل أبيب!.. وهي ـ أي الدولة ـ ستظل دولة منشودة لطالما أن إبصارها النور مشروط بالموافقة الأمريكية و"الإسرائيلية"، ولنا أن نتخيل سلفاً ما هي الصورة التي ترسمها كل من واشنطن وتل أبيب لدولة فلسطينية فتية و.. مستقلة!.

ببساطة، يكفي لاستحضار ورسم الصورة ـ صورة الدولة المقبلة ـ أن نضع تحت المجهر ـ أو حتى من دون مجهر ـ التجاذبات العائمة على السطح بين قيادات السلطة الفلسطينية "عباس، فياض، دحلان" والمساعي التي لا تعرف التوقف لنيل رضا واشنطن، ورغبة هذه القيادات ـ التي لم يعد يخفيها أيّ ركن من أركانها ـ في أن تغمس إصبعها في "قطرميز عسل الدولة المُنتظَرة"!.. مع علم الجميع أن مجرد لمس العسل و "لحسه" لن يكون إلا بموافقة أمريكية "إسرائيلية"!.

إيّ دولة هذه التي ستكون، لطالما أنها لن تبصر النور إلا من خلال مرورها، القسري أو الطوعي، على كل نقاط وحواجز الفلترة والتنقية والتعقيم والتفتيش الخاصة بالـ "فيتو" الأمريكي و"الإسرائيلي"؟!.. ومن خلال حصولها على شهادة حسن سيرة وسلوك ممهورة بخاتم واشنطن وتل أبيب؟!.. ثم، ماذا يعني إذا ما اعترف العالم كله بدولة على الأرض أو على المريخ، وهذه الدولة، ووفق الشروط والمعايير المطروحة "أمريكياً وإسرائيلياً"، قد تشبه إي شيء إلا الدولة بمفهومها السيادي المستقل؟!.