الكاتب : سها مصطفى - زينب الدبس

أمام تراجع ترتيب سورية في الفساد حسب تقرير التنافسية العالمي 2010 - 2011 من المرتبة 76 العام الماضي إلى المرتبة 107 هذه العام وتراجعها في استقلالية القضاء من المرتبة 86 إلى المرتبة 107، يضحي الفساد في سوريا ظاهرة بنيوية مستشرية وفق تصنيف مراقبين اقتصاديين.

واحتلت دمشق المرتبة 116 في المدفوعات غير الرسمية والرشوى وحصلت على علامة 3 من7 .

حكي جرايد؟!

وذلك على الرغم من عنونة الصحف السورية لما وصفته بـ’حملة لمكافحة الفساد’، ولعل أبرزه ما نقلته صحف محلية خاصة وأخرى عربية عن حملة ضد الفساد تطول رؤوسا كبيرة على حد تعبيرها، غير أن كل من الحملتين انتهتا بإقالة مدير شؤون البيئة بحلب أحمد حسام مخللاتي الذي تربطه صلة قرابة على حد تعبير الصحيفة بـ’أحد أبرز المسؤولين السوريين’، وإقالة عدنان العزو أمين فرع حزب البعث في حماة وذلك بسبب ’مخالفات البناء التي ارتكبها أقراباءه في بلدية صوران’ وفقا للصحيفة.

ويقول قدري جميل ’باحث اقتصادي’ أنه لا يجوز الخلط بين الفساد الصغير و الفساد الكبير على حد تعبيره، على اعتبار أن ’الفساد الصغير لذوي الحاجة كالشرطي، البواب هؤلاء الأشخاص الذين يحصلون على المال بسبب الحاجة لأن معاشهم لا يكفي أصلاً ، أما الفساد الكبير سببه الجشع،والذي يغطي عملياً 80 أو 90% من حجم الفساد الكلي’!

يضيف جميل’لكن الحجة التي تساق بأنه لا يمكن محاربة ظاهرة الفساد لأنها ظاهرة كبيرة فهذا غير صحيح وهذه حجة واهية لأن الفساد الكبير هو الذي يخلق الفساد الصغير لسببين أولاً لأنه يخلق مناخ النهب الذي يقوم به الناس وعملياً الفساد الكبير يقوم به الأقلية مقارنة مع مجموع الفاسدين الكلي’.

وكانت تقارير رسمية تم نشرها مؤخرا في وسائل الإعلام المحلية أشارت إلى أن وزارة المالية أعلنت أن عدد قرارات الحجز الاحتياطي التي أصدرتها الوزارة عام 2009 بلغ 207 قرار وذلك ضمانا لما يقدر بنحو 2.858 مليار ليرة سورية أي بمتوسط شهري قدره 17.25 قرار حجز وضمانا لنحو 238.166 مليون ليرة (كمتوسط شهري).

نهب منظم

وشهدت دمشق هذا العام فضيحة انهيار قاعة المسافرين في مطار دمشق قبل افتتاح اولمبياد المعوقين الدولي في العاصمة بأيام، وبعد أقل من عام على توقيع عقد تجديد المطار وتأهيله مع شركة وهيبة الماليزية الذي لا يزال قيد التحقيق.

فيما يقول جميل ’حجم الفساد بسوريا حسب رأي الاختصاصيين الذين أكثرهم تفاؤلاً و تشاؤماً بين 20 إلى 40% من حجم الناتج المحلي الإجمالي ورأيي الشخصي أن هذه النسبة ازدادت مئة بالمئة بسبب دخول فروع التكنولوجيات الجديدة والسبب هو جهل بلدنا بهذه التكنولوجيا وسهولة إمكانية النهب’.

يضيف ’هنالك ظاهرة مقلقة نسبة الفساد ازدادت حتى بالفروع التقليدية مثلاً :بلغت كلفة صيانة مطار دمشق الدولي 40 مليون يورو المصروف منها 14 مليون والباقي ذهب فسادا أي 200%’.

وكان عبد الله الدردري النائب الاقتصادي اعترف بعدم وجود توزيع عادل للثروة الوطنية في البلاد وأن الفساد يحمي مصالح دائرة المتنفذين المسيطرين على الأعمال، ولكن الدردري وفي تصريح آخر له توقع أن ’يصل الناتج المحلي السوري للفرد الواحد بحلول عام 2015 إلى ضعف مجموع ناتج الفرد الأردني واللبناني، وليقترب من الناتج الإسرائيلي ويكون بالتالي، الاقتصاد الأقوى في منطقة الشرق الأوسط، بحيث تكون حصة الفرد سنويا 3000 دولار من الناتج المحلي’!

فيما تؤكد تقارير رسمية وجود ما لايقل عن 8 مليون فقير في سوريا، مايشكل نسبة تعادل أكثر من ربع السكان الذين يقارب عددهم 24 مليون وفق الإحصاءات الرسمية، فيما يقدر خبراء اقتصاديون ارتفاع الفقر في سوريا أمام الاعتراف الحكومي بنزوح مليون شخص من الجزيرة السورية، بسبب سياسات اقتصادية متعثرة لم يكن آخرها رفع الدعم عن المحروقات.

متلازمة الفساد والدخل!

وكان لافتا في هذا السياق دراسة أصدرتها جامعة دمشق في نشرتها الدورية، للباحث الاقتصادي فريد الجاعوني ’مدرس في كلية الاقتصاد جامعة دمشق’، وقال الجاعوني أن ’من أهم أسباب الفساد في سورية يعود إلى تدني الأجور والرواتب التي اعتبرها سبب أساسي’، مقترحا زيادة الرواتب والأجور بما يكفي حاجة المواطن أولاً بهدف أن يتماشى مع التضخم الحاصل في العالم والذي سوف ينعكس على سلة المواطن الغذائية، إضافة إلى ضرورة تعزيز الديمقراطية ودور الصحافة والرقابة كل ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تحسن مستوى المعيشة للمواطن’.

فيما يتساءل جميل عن مصداقية الارقام الرسمية، في الخطة الخمسية العاشرة ويقول ’ أريد أن أطرح على نفسي سؤال مشروع عند وضع الخطة الخمسية العاشرة تم وضع معدل النمو لكي يصل إلى 7% على أمل أن تزداد النسبة في الخطة الحادية عشر إلى 11% و ما فوق لكن النسبة كانت في الخطة الحادية عشر 5،7% !!؟ ، ويتابع’ بالخطة الخمسية العاشرة وضعوا أرقام للفقر الأعلى هي 30% حتى يصلوا إلى 22% والآن لا توجد أرقام فلم يتعهدوا بشيء لأن الفقر ازداد حيث كان 30% فأصبح 44% ولذلك لم يعودوا يلتزمون برقم’.

روشتة صندوق النقد: اقتصاد ريعي!

وذكر الجاعوني في دراسته أن ’الحد المثالي لعامل مكافحة الفساد هو 10 وأن أي دولة عربية لم تتعد على هذا المقياس الرقم 4، حيث تشير تقارير الفساد في الدول العربية إلى ارتفاع هذا المؤشر خلال السنوات القليلة الماضية، وقد جاءت دولة قطر الأولى في ترتيب مؤشرات مكافحة الفساد وتليها الإمارات العربية المتحدة، أما سوريا فقد تراجع موقعها إلى الوراء بشكل كبير على مقياس الفساد وهذا يعود إلى المؤشر المحدد من قبل منظمة الشفافية الدولية، في وقت يجب أن يكون لدينا تحسن في سورية في مؤشر الفساد لكن هناك تراجع واضح في ذلك، وأضاف الدكتور الجاعوني أن أكبر مجموعة من الدول حسب التقرير أعطت نتيجة تحسن في مكافحة الفساد هي الرقم 4 من عشرة .

وقد اتضح أيضاً بالنسبة للدول العربية المرتفعة الدخول أن مؤشر مكافحة الفساد لم يتجاوز فيها 3 وفي سورية وصل هذا المؤشر إلى 2.3 من عشرة فقط!

غير أن جميل الذي شن في افتتاحية صحيفة قاسيون هجوما لاذعا على الفساد في سوريا والجهود الحكومية لمكافحته، يلفت إلى تعثر الخطوات الحكومية في تنفيذ متطلبات الخمسية العاشرة، ويقول’النمو يحتاج لمصادر وهذه المصادر غير قادرون على تأمينها من الداخل لذلك يتم اللجوء للخارج لكن مصادر التمويل الخارجي لها شروطها ولها طبيعتها ، فطبيعة هذه المصادر بالخطة الخمسية العاشرة ريعية ووظفت أيضاً بمجالات ريعية أي ليس بالإنتاج الحقيقي فخلق لدينا مشكلة نتيجة شراء الأراضي والعقارات تم رفع أسعار ’الخس، البندورة، البرغل’ ومن الغريب أنهم بالخطة الخمسية الحادية عشر اعتبروا المصارف من مصادر النمو اللاحقة بالوقت نفسه خفضوا نسبة نمو الزراعة إلى 2% ؟!!

يضيف’اليوم الدخل الوطني السوري ألفين وخمسمائة مليار إذا أخذنا الرقم الوسطي بين 20 و40% فساد ،أحصل على 30%فساد من 2500 مليار وفي حال تم تقسيمهم على 30% أحصل على حوالي 800 مليار (خارج دورة الاقتصاد والاستهلاك بمعنى أخر لم يتم توظيفهم.’

الفساد : قضية أمن وطني أيضا

ويقول ’إذا لاحظنا حجم الاقتصاد الحقيقي فأنا بحاجة إلى 25% من حجم الناتج المحلي الإجمالي توظيفات، لكنهم وسطيا يقوموا بتأمين 15% أي دائماً ينقصهم 10% إذا حسبنا حجم الكتلة الإجرية بسوريا هي 350 مليار هذا يعني إذا تم اعادة 800 مليار إلى الألفين وخمسمائة مليار عندها أصبح قادر على تأمين توظيفات داخلية كاملة واستطيع زيادة الأجور 100% بدون إحداث إي مشكلة وأرفع وتائر النمو وبالتالي أحل مشكلة الفقر على المدى المتوسط.

ويشدد جميل على أن’ دون محاربة جدية وجذرية للفساد الكبير والاستيلاء على مصادره يستحيل النمو الفعال والضروري ويستحيل إيقاف تدهور مستوى معيشة الناس، لأن الفساد هو قضية أمن وطني لأن (الفقر ،البطالة، النمو) كلها أمن وطني وكلها متعلقة بالفساد’.

يشار إلى أن تقرير التنافسية العالمي ، هو تقرير سنوي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي ، وصدر أول تقرير له في عام 1979 ، يذكر أن سوريا صنفت بالمرتبة 126 من أصل 180 دولة.