الكاتب : حازم خضر
يتطلب مشروع ربط البحار الخمسة الذي أطلقه الرئيس بشار الأٍسد خلال جولاته في دول أروبية وأسيوية كثيرا من العمل لتوضيح أبعاده وجدواه وتفكيكه الى جملة من المشاريع القابلة للتنفيذ بين عدد كبير من الدول تشكل ذلك الفضاء ، ثم تحديد التقاطعات مع الدول العربية على اعتبار انه يتجاوز العمل القومي ليشمل فضاءات واسعة جدا تضم دول أسيوية : كازاخستان وأذربيجان وإيران وتركيا .. وأوربية : أرمينيا وقبرص ورومانيا وبلغاريا ورومانيا ..والدول العربية كونها تقع بالفعل ضمن ثلاثة بحار من البحار المعنية ’ المتوسط والأحمر والخليج العربي ’.
وطرح المشروع الذي بدأ يدخل القاموس السياسي للتعاون بين سورية ونحو ثلاثين دولة يطرح بالفعل تساؤلا ملحا حول دوافع سورية إلى القفز واسعا نحو فضاء كبير وطموح يتجاوز الطرح القومي التقليدي الذي يشكل محورا أساسيا في الخطاب الرسمي السوري.بمعنى كيف يمكن فهم تلك القفزة طالما أن عملا على المستوى العربي لتحقيق ذلك الفضاء لم يتحقق حتى اليوم بل إن إتفاقيات للتعاون في المجال الثنائي لم تدخل حيز التنفيذ إلا بعد دخول الشريك التركي على الخط ليجمع سورية والأردن ولبنان في اتفاقيات كبيرة وصلت درجة الحديث عن منطقة تجارة حرة مشتركة ونقل وربط بخطوط الطاقة .. فضلا عن مجلس تعاون إستراتيجية عالية المستوى.
يفرض العامل السياسي حضوره بقوة لدى البحث في أسباب ذهاب سورية نحو ربط تلك البحار. وتحديدا علاقات دمشق مع العرب التي لم تكن يوما بأسوأ حالا مما مرت به منذ خمس سنوات وخصوصا مع القاهرة ،ولا تزال، ومع الرياض قبل أن تدخل مرحلة من التحسن البطيء عبر البوابة اللبنانية . وذهبت دول عربية كثيرة وراء العاصمتين الفاعلتين تحت مسمى محور الاعتدال العربي الذي ضم : الأردن والأمارات والبحرين والسلطة الفلسطينية ..المعادي لدول ما سمي بالمشروع المقاوم الذي تقف دمشق على رأسه الى جانب قوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية لتدخل علاقات دمشق بتلك العواصم مراحل من الفتور والخلاف لا تزال مسيطرة الى اليوم وتنعكس أكثر ما تنعكس في مشاريع التعاون الاقتصادي..
القطيعة مع سورية التي أخذت عناوين عدة من بينها اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري والعلاقات الوثيقة مع إيران ودعم تلك الدول سرا وعلانية للعدوان الإسرائيلي على لبنان وحصار غزة.. كل تلك العوامل شكلت دافعا مهما للبحث السوري عن تعاون إقليمي ودولي أشمل لا يتعارض مع العقيدة القومية ويشمل دولا قريبة بدأت بتركيا وإيران الحليف الوثيق وأمتد ليضم دول قزوين المتداخلة بدورها بعلاقات وثيقة بإيران وتركيا وصولا الى بلغاريا ورومانيا وقبرص ..
تبحث سورية بذلك التعاون عن شبكة مصالح إستراتيجية يفترض أن تنهض باقتصادها الذي يواجه تحديات مصيرية بالفعل: جفاف في مناطق الإنتاج الزراعية الأساسية شمال شرق البلاد أدت لهجرة نحو نصف مليون سوري الى دمشق والمحافظات المحيطة وبطالة عالية جدا وبنية تحتية مهترئة. كل تلك المعطيات السلبية حاضرة بقوة في البحث عن شراكات إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار عناصر القوة لدى سورية وأبرزها الموقع الاستراتيجي الذي يربط إيران والعراق بالبحر المتوسط ويربط أوروبا وتركيا خصوصا بالعمق العربي وتحديدا بالعراق الذي أطلق مشاريع عملاقة لإعادة الاعمار تكلف نحو 100 مليار دولار كحد أدنى ودول الخليج العربي، وإمكانيات مهمة في القطاع الزراعي والسياحي بحاجة الى استثمارات هائلة ..
تتقاطع تلك الأهداف مع ما طرحته الحكومة السورية عن حاجتها الى حوالي 95 مليار دولار لتطوير بناها التحتية خلال الخطة الخمسية العاشرة ومن الواضح أن تلك المبالغ الهائلة لا يمكن توفيرها دون الدخول في شراكات من ذلك الوزن في الربط مع الاقتصاديين التركي والإيراني ومع باقي الدول الواقعة ضمن البحار الخمسة.
وتبسيطا لتلك الأفكار الكبيرة فإن ربط السكك الحديدية السورية بالعراقية عبر خطوط دولية تصل ميناء الفاو العراقي بميناءي طرطوس واللاذقية قادر على خلق خط ربط جديد بين البحر والمتوسط وبالتالي أوروبا ودول الخليج العربي ،التي تشكل مصدر الطاقة الأهم في العالم وسوقا استهلاكية واسعة جدا، دون المرور بقناة السويس ما يوفر اكلافا عالية ويحد من ’ ظاهرة القرصنة ’ الصومالية وبالتالي خلق شريان نقل جديد ينعش قطاعا مهما في سورية ويدر عليها أموالا هائلة . وينطبق الأمر على ربط الشبكة العراقية بالإيرانية وبالتالي بالسورية ما يفتح أمام البضائع من والى إيران مجالا جديدا يتجاوز إمكانيات الحصار والحروب التي تهدد إيران . والأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة لخطوط نقل النفط العراقي الى سورية والمؤجلة لقرارات سياسية والتي يمكن أن تقز واسعا لتصل الى قلب أوروبا الوسط ’ بلغاريا وهنغاريا ورومانيا.. ’.
تلك عناوين عاجلة وبسيطة للتعاون وربما الأكثر إمكانية للتحقيق منها . لكن يجب ملاحظة أن تناول ربط تلك البحار كما جرى التعامل معه حتى الآن يعطي الأولوية للاقتصادي على حساب السياسي وهو ما لا يمكن الركون دوما إليه خصوصا وأن الحديث يتناول دولا تدور بالفلك الأمريكي من الألف الى الياء وبالتالي لا يمكن تصور تعاون نفطي ، مثلا ، بين إيران او سورية مع بلغاريا ورومانيا او أي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو دون موافقة واشنطن . والمقياس ذاته ينطبق على عناوين كثيرة ، بمعنى إن سقف تعاون دول كثيرة في ذلك الفضاء يرتبط بعلاقاتها مع الولايات المتحدة التي لا تسمح بالتأكيد بعوائد كبيرة على دول مثل إيران وسورية ..
المشروع من الضخامة بمكان ما يفرض البحث فيه من جوانبه الواسعة ، ليس من قبل مؤسسات سورية فقط بل من المؤسسات في الدول المعنية وخصوصا سورية وتركيا ولبنان ..