الكاتب : طه عبد الواحد

بعد ويكيليكس ها هي قناة الجزيرة تنشغل بكشف المستور وتطلق حملة واسعة لعرض وثائق جلسات الحوار بين المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين، لتحتل بذلك هذه الوثائق المكانة الأولى في نشرات أخبار الجزيرة عوضاً عن تغطية أوسع وأكثر تفاعلاً وفعالية لأحداث هامة تجري في المنطقة مثل الوضع في مصر وتونس وتشكيل الحكومة اللبنانية وغيره. بأي حال ومع عدم التقليل من أهمية ما كشفت عنه الجزيرة من خبايا الأمور، إلا أنها لم تأت بجديد من حيث الجوهر والمبدأ.

إن المهمة الرئيسية للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها التفاوض مع المحتل، ومن الطبيعي أن يقوم هذا المفاوض بتقديم التنازلات ثم التنازلات، لاسيما بعد أن حاصر المقاومة الشعبية الفلسطينية تنفيذاً مهمة مطلوبة منه إسرائيليا، فهل يمكن توقع خيراً من مثل هذا المفاوض؟ وهناك في أحاديث لقياديين في السلطة الفلسطينية ما هو أكثر خطورة من كل ما كشفت عنه وثائق الجزيرة، أي الحديث عن ضرورة بناء اقتصاد فلسطيني مزدهر كشرط لإحلال السلام الدائم، وهو ما طرحه ليبرمان ومسؤولين أوربيين أيضاً، ويتغنى به قياديون في السلطة باعتباره إنجاز حققوه. خلاصة القول لا يبدو أن أحداً من الفلسطينيين ينتظر معجزة تصنعها القيادة الفلسطينية الحالية والكل يدرك تماماً أن ما يجري هو بيع علني لفلسطيني وتنازل فاضح عن حقوق شعبها في الداخل والشتات.

الغريب في الأمر أن كل هذا يجري دون أن يسأل أحد أبناء الشعب الفلسطيني ما إذا كانوا موافقين على الأسس التي تقوم عليها التسوية، وهل يقبلون بدولة منقوصة ضمن حدود الأراضي المحتلة عام 1967. كما لا بد من معرفة خيارات الشعب في ظل الوضع القائم حيث أثبتت التسوية بوضوح أنها مجرد تسمية لعملية بيع لفلسطيني تحت غطاء القانون الدولي، في الوقت الذي لا تملك المقاومة الفلسطينية فيه فعلاً على الأرض يؤثر بصورة أو أخرى على التفاوض، مع العلم أنه هناك إجماع في أوساط الخبراء بأن التفاوض لا يمكن أن ينجح دون وجود مقاومة مسلحة تفرض الشروط على طاولة المفاوضات. بعبارة أخرى لا يمكن لأي عاقل أن يتوقع من إسرائيل القبول بتقديم أي تنازل، بل حتى إنه لا يمكن توقع قبول إسرائيل بمفاوضات لا تحصل فيها على تنازلات فلسطينية تنتهي بتنازل عن كامل الحقوق.

لذلك يبدو من المنطقي وربما مطلوب أن تتجه القوى الفلسطينية كافة، أصحاب نهج التسوية وأصحاب نهج المقاومة على حد سواء، إلى أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات لاستطلاع وجهات نظرهم وتبني عقيدة وطنية فلسطينية على أساس نتائج هذه الاستطلاعات، تنهي حالة الانقسام الفلسطيني المهينة لهذا الشعب ونضاله، ولكل مسيرة النضال العربي من أجل فلسطين، وتضع أسساً راسخة للدخول في مرحلة جديدة من النضال بكل أشكاله من أجل تحرير فلسطين كاملة، أو بناء دولة فلسطينية على أراضي عام 76 إن قبل الشعب الفلسطيني بنسبة تصويت تزيد عن 90% بهذا الخيار.

إن تغييب الشعب صاحب الحق عن النضال من أجل فلسطين خطأ كارثي يضعنا اليوم أمام حالة الانقسام هذه ويجعل من الفلسطينيين عرضة للمذلة والإحباط على أيدي قياداتهم بكل أسف، علاوة على الظلم وانتهاك الحقوق الذي يتعرضون له يومياً في مواجهة آلة الاحتلال. إن المرحلة المقبلة غاية في التعقيد لاسيما وأن المفاوضات نشاط محكوم عليه بالموت ولا يمكن أن تؤدي إلى تسوية مقبولة، لذلك يرى كثيرون إنه على الشعب الفلسطيني إعادة فرز القوى التي تمثله وتبني إستراتيجية جديدة استعداداً لما هو آت عربياً ودولياً وفلسطينياً، فسلطة التسوية زائلة لا محال على قاعدة "أي عضو غير منتج يضمر ويزول"، فما بالك بعضو لا يقتصر الأمر على أنه غير منتج بل ويقوم بعمل تخريبي مدمر؟