الكاتب : جورج حاجوج

الخبر الأول: أعلن التلفزيون الرسمي المصري، ومن بعده وسائل الإعلام الأخرى، عن أن "إرهابيين" فجّروا خط أنابيب الغاز الطبيعي في سيناء، هذه الأنابيب التي تصدر من خلالها "مصر الرسمية" الغاز الطبيعي إلى "إسرائيل"!.

الخبر الثاني: تعليقات على الأنترنت لأكثر من مواطن مصري وفلسطيني وعربي على خبر تفجير أنابيب الغاز المذكورة، مفادها أن "مصر الرسمية" تزود "إسرائيل" بأكثر من 40 بالمائة مما تحتاجه "دولة" العدوان والاغتصاب والاحتلال من الغاز الطبيعي وبأسعار تشجيعية ورخيصة جداً، ثم لتعود "إسرائيل" لاحقاً باستثماره وبيعه للفلسطينيين "يا للفرحة الكبرى!" بأسعار مرتفعة جداً!.

الخبر الثالث: الغزاويون المحاصرون منذ أكثر من ثلاث سنوات من قبل "إسرائيل" و"مصر الرسمية" ويواجهون موتاً بطيئاً، يقومون هذه الأيام بتقديم الخبز وبعض السلع والمواد الغذائية الضرورية للجنود المصريين المرابطين على الحدود مع قطاع غزة والذين كان دورهم ـ الذي شاءته مصر الرسمية ـ قطع الحياة عن الغزاويين!.. هؤلاء الجنود صاروا اليوم بحكم المعزولين عن الحياة بسبب الأحداث الجارية في مصر..
ولكسر عزلتهم يعمد الغزاويون إلى مدّهم بكل ما من شأنه أن يبقيهم على قيد الحياة!.

الخبر الرابع: ضيوف الفضائيات من مؤيدي نظام الرئيس حسني مبارك على اختلاف أنواعهم "مسؤولون رسميون ـ سياسيون ـ إعلاميون.." لا ينفكّوا عن ترديد لازمة مضحكة فعلاً، مفادها أن المحتجين والمتظاهرين لا يتجاوز عددهم في ميدان التحرير وشوارع القاهرة والمدن الأخرى مليونين أو ثلاثة ملايين شخص، وهذا يعني أنهم لا يعبّرون عن رأي الشعب المصري "ما هذه الشطارة والفهلوة؟!" الذي يزيد تعداده عن ثمانين مليون نسمة!.

في الخبرين الأول والثاني، يبدو واضحاً أن تفجير الأنابيب التي تنقل الغاز إلى "دولة" الاحتلال رسالة واضحة ومعبّرة، ولا تحتمل أكثر من تفسير، عن المزاج الشعبي المصري الذي عارض هذه الخطوة منذ بدايات طرحها كفكرة قبل سنوات وظل يعارضها حتى لحظة تنفيذها وتحويلها إلى أمر واقع على الأرض، وهذه رسالة تشير بوضوح من جهة أخرى إلى طبيعة المخاوف الأمريكية والأوروبية و"الإسرائيلية" من هذا المزاج الشعبي المصري الثائر اليوم والذي قد يفرز نظاماً سياسياً جديداً يدكّ معاقل المرحلة المصرية ـ "الإسرائيلية" السابقة، وتالياً المصرية ـ الأمريكية، الأوروبية.. وهذا يعني اهتزازاً واختلالاً وتبدلاً في الوضع الإقليمي وموازينه التي حافظت عليها "مصر الرسمية وليس الشعبية" ابتداءً من اتفاقية كامب ديفيد وعلى مدى ثلاثين عاماً، الأمر الذي سيفرض ارتدادات إقليمية شديدة لا تسرّ خاطر واشنطن والعواصم الأوروبية وتل أبيب!.

في الخبر الثالث، ثمة ما يدعو إلى الدهشة، حيث أن عملية التهريب المعاكس ـ أي من قطاع غزة إلى سيناء وعبر الأنفاق التي تمقتها "مصر الرسمية وإسرائيل" ـ قائمة على قدم وساق، والأكثر إثارة للدهشة أن يكون هذا التهريب لسد رمق الجنود المصريين الذي زرعتهم "مصر الرسمية" بالاتفاق مع "إسرائيل" على الحدود استكمالاً لعملية خنق قطاع غزة!.

في الخبر الرابع، يبدو أن مؤيدي النظام المصري تفوتهم حقيقة سكانية تقول إن مصر، كغيرها من البلدان النامية، توصف بأنها مجتمع فتي، أي أن الفئات العمرية ما دون الثامنة عشرة من العمر ربما تشكل النسبة العظمى من تعداد السكان، وإذا ما أضفنا إلى هذه الفئات الكهول من الرجال والنساء، فهل من الممكن أن يبقى إلا بضعة ملايين، وهؤلاء هم المتظاهرون والمحتجون.. هنا يطرح أكثر من سؤال نفسه: ألا تكفي الملايين للتعبير عن إرادة الشعب ورغبته في التغيير؟.. كيف يمكن تكوين صورة عن رأي الشعب إذاً حسب ما يرى مؤيدو النظام المصري؟.. هل المطلوب أن تخرج مصر عن بكرة أبيها بشيوخها وكهولها وشيبها وشبابها وأطفالها ورضّعها كي يعترف هؤلاء المؤيدون أن هذه هي إرادة الشعب؟!.

هذه الأخبار وغيرها وعلى مدى الأيام الماضية تقدّم مؤشراً واضحاً عن عمق أزمة النظام في مصر الذي لم يكن ليعيش هذا التأزم لو أنه ـ وقبل ما يزيد عن ثلاثين عاماً ـ يدور حول محوره الطبيعي داخلياً وخارجياً!!