الكاتب : حازم خضر

تعطي الثورة المصرية دروسا جديدة كل يوم للتواقين لمحاربة الطغاة والفاسدين، وتمحو صورة نمطية تورط بها معظم المحللين والباحثين والمتحدثين عن ثورة تستمر أياما قليلة قبل أن تنفض وتعود دورة الحياة كما كانت قبلها.

الثورة التي دخلت أسبوعاها الثاني اليوم حققت إنجازات كبيرة في طريقها نحو الهدف الكبير المعلن : إسقاط النظام المصري وعبر أهداف مرحلية تتناول بشكل خاص استقالة الرئيس حسني مبارك وحل مجلسي الشعب والشورى ’ المزورين ’ وإطلاق تعديلات دستورية وصولا إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

أجندة كبيرة جدا لكن جزءا كبيرا منها قد تحقق بالفعل عبر رضوخ الحزب الحاكم لطرد قيادته السابقة بالكامل وفي مقدمتها نجل الرئيس جمال مبارك وتقديم رموز من الفاسدين للمحاكمة بعد منعهم من السفر وأبرزهم :

احمد عز، أمين التنظيم في الحزب الوطني سابقا، وحبيب العادلي وزير الداخلية السابق والمتهم بإعطاء الأوامر بإطلاق النار على المحتجين .. والأهم من كل ذلك ،ربما ، ثمة إنجاز يتصل بكسر حاجز الخوف ودخول ملايين الأفراد المصريين إلى طقس التظاهر اليومي في القاهرة والمدن الكبرى بما يشبه العمل اليومي للنساء والشيوخ وحتى الأطفال وقبلهم بالطبع أبطال تلك الثورة : الشباب.

كل تلك إنجازات كبيرة تؤسس بالفعل إلى مرحلة جديدة في مصر قوامها احترام رغبات الشعب وإطلاق حياة سياسية حرة يحتكم فيها الجميع إلى صندوق الاقتراع ومكافحة الفساد واستباحة المال العام الذي حوّل عائلات الفاسدين إلى مقدمة أثرى العائلات في العالم في بلد يعد 85 مليون نسمة معظمه يعيشون تحت خط الفقر.

دروس تعلم الحكام والشعوب بقدرة الشعوب ذاتها بقدرتها على التغيير عندما تغلق الأبواب ويصبح الاحتكام للشارع الطريق الوحيد الذي يسمعه الفاسدون مهما تسلحوا بدعم الخارج ولو كانت الولايات المتحدة تمثل ذلك الخارج. يدفع النظام المصري ثمنا غاليا اليوم كان قد تأخر طويلا بدفعه بل وقد يكون نسي أن المصريين يملكون بالفعل تلك العزيمة التي أظهرها ميدان التحرير وتصدي المحتجون فيه لكل أشكال الإرهاب بدءا من إرهاب أجهزة الأمن التي دهست المتظاهرين عمدا وحتى ’بلطجية’ الحزب ورجال الأعمال والمساجين ، كما أظهرت الوثائق الشخصية التي يحملونها ، ليصمد المصريون مصرين على الوصول إلى الهدف الذي احتجوا من أجله.

ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية الحالية التي انتشرت في كل المدن كالنار في الهشيم : الإسكندرية والسويس والإسماعيلية ورفح .. بات أكاديمية للفعل الثوري الشبابي: تلاحم بين المحتجين المسلمين والأقباط ، صلاة للمسلمين وقداديس للأقباط في رد عفوي لا يحتاج إلى تنظير وشروحات حول الإخاء بين المسلمين والمسيحيين الذي حاولت جهات عدة اغتياله والتلاعب به من خلال تفجير كنيسة القديسين وظهور مقالات غربية عن تورط وزارة الداخلية المصرية به !! وحالات تزاوج وقيادة شبابية للمظاهرات وسط الميدان ومشاف ميدانية يديرها المتطوعون. كل تلك التجارب وغيرها الكثير مما لم يصل إلى الإعلام في ظل الحصار الإعلامي الذي نفذه النظام المصري يؤكد قدرة الشباب المصري على الإبداع في مواجهة الديكتاتور وشق طريق ثوري خاص يتناسب وخصوصية الديكتاتورية المصرية التي بدأت تتوالى فضائحها المالية مع الحديث عن ثروة تتراوح ما بين 40 الى 70 مليار دولار أي ما يعادل حوالي 900 دولار لكل مصري !!.