الكاتب : ربى الحصري

التجربة التي يمكن أن تظهر في هذه اللحظة مرتبطة أساسا بالنقلة النوعية التي أحدثها الشباب في "الحياة السياسية"، فاستقراء الواقع العام ليس في مصر وحدها بل في معظم العالم العربي يعطي صورة عن "الانهاك" الذي طال الأحزاب السياسية التي اتخذت في النهاية موضعا خاصا يحاول عدم البحث عن أي "تحول" اجتماعي إن صح التعبير.

الأحزاب في النهاية، ومصر نموذجا، كانت عاجزة لظروف مختلفة عن تحقيق البرامج الخاصة بها، وفي نفس الوقت كانت غير قادرة على تجاوز حالتها النظرية التي تم وضعها في لحظة التأسيس، ورغم أن الحدث وتغير الاجتماعي طال معظم المجتمعات العربية لكن حركة الأحزاب بقيت في مكان واحد، واتخذت رموزها صلابة وربما حذرا منعها من اتخاذ حالة حيوية.

في العالم هناك إدراك حقيقي منذ ثورة الطلاب عام 1968 بالتحولات الدورية التي يحملها الشباب معهم، وعلى الأخص أن وسائل الاتصال منحت الأجيال ممكنات جديدة، لكن على ما يبدو فإن حجم التحدي الذي واجه الأحزاب أو حتى مؤسسات الدولة في معظم الدول العربية قاد إلى حالة سيكونية لا ترتبط فقط بالسياسة بل أيضا في دراسة الظواهر الاجتماعية التي تسربت إلى المجتمعات العربية، وشكلت ثقافة أخفت في عمقها حالة من الإحباط من "النخب" الفكرية والسياسية والاجتماعية.

ما حدث في مصر بالذات سلط الضوء ليس فقط على أساليب الاتصال بل أيضا على قدرة الشباب في تحريض تفكيرنا من جديد، فنحن أمام ظواهر ربما كنا نغفلها عمدا أو سهوا، لكنها موجود ضمن مجموعة من "الأخلاق الجديدة" و "الثقافة المبتكرة"، فالحديث عن ثقافة هابطة وفن لا يستطيع الصمود يبدو أنه ناتج عن عدم قدرتنا على استيعاب تحولات الشباب ورؤيتهم لأنفسهم، وبالطبع فإن هذا الأمر لا يلغي مواقف النقد الفني من تجليات ثقافتنا الحالية، لكنه يضوح على الأقل أن كل هذه الثقافة لا تملك تأثيرا واحدا على الأجيال الشابة، وأن هناك طريقة تفكير مختلفة ربما يصعب علينا أن نفهمها بشكل سريع.

النموذج المصري هو الأكثر وضوحا لأنه يحمل معه كل الشرائح المتوقعة، ونحن لسنا أمام شباب الفيسبوك حسب بعض المصطلحات، لأننا أمام تفكير شاب قادر على رسم ملامح مختلفة وبوسائل جديدة، وهو يصنف قضاياه بشكل مختلف عما اعتدنا تصنيفه، وما نراه يحمل رمزين:

الأول مسألة اسقاط النظام في مصر الذي يتجاوز مسألة "النظام السياسي" لأنه يتخذ اتجاه يتسرب في كل اتجاه، والشباب في مصر كانوا قادرين على التعامل بواقعية مع ما يريدونه، وقدموا بديلا في لحظة الفوضى عن مؤسسات الدولة التي على ما يبدو غابت بشكل متعمد، فهؤلاء الشباب رسموا قدرتهم فقط لكن طريقة وضعهم لمرجعياتهم المعرفية مازالت تحتاج إلى دراسة.

الثاني الخروج من زمن إلى آخر فهم يريدون خلق حالة من التجاوز لكن الماضي ويرون بلدهم بأعينهم وهو أمر لا بد أن ندركه نحن كأجيال مخضرمة أو تلك التي سبقتنا التي ينتمي إليها الرئيس مبارك ونائبه عمر سليمان.

هناك حقبة، وهو مصطلح قديم ينتمي لأجيالنا، وزمن جديد يريده هؤلاء الشباب وهو بالتأكيد زمن لا تفضله الولايات المتحدة تحديدا لأنها تريد دائما القفز فوق ديناميكية الأجيال العربية الجديدة.