الكاتب : حسان عبه جي

توقف كل شيء مع بداية الحدث المصري، فالقضية لم تكن فقط حركة متظاهرين بل مجموعة أسئلة أحاطت الواقع العربي، وربما دفعت المؤسسات الرسمية أو تلك الخاصة بالمجتمع المدني للتفكير بمستقبل لم تتضح معالمها بعد أن ينتهي الحدث، فالمراجعة اليوم هي باتجاهين: كيف ستدعم تلك المؤسسات تطور تلك الظاهرة بعد "تنحي" الرئيس المصري، والاتجاه الآخر كيف ستستفيد من تلك التجربة.

التفاعل مع مصر إذا لم يبدأ اليوم فإنه سيأتي متأخرا جدا، فخلال الثورة المصرية كان هناك تفاعل عالمي معها، ورصد الظاهرة من الخارج أصبح حالة استثنائية، والحديث عن "صناعة التاريخ" كما عبر عنه الرئيس باراك أوباما يجب أن يدرس بدقة، فالمسألة ليست مجرد عاصفة وتداعيات، والتفكير الذي ينحصر اليوم بالبحث عن الدول التي ستتجه فيها الأحداث كمنا حصل في مصر، هو شأن ربما لا ينظر إلى أن الحالة التي حدثت هي "ظاهرة بناءة"، وأنها ستفرض ثقافتها على الأداء السياسي العام، وعلى الأخص داخل النظام العربي لأن القاهرة تحتضن مقر مؤسساته.

نحن في الواقع، وعلى المستوى الإقليمي، أمام تحول سيظهر بشكل تدريجي في مستوى العلاقات التي تتبلور في الأشهر القادمة، فالعالم العربي رصد ما يجري ليس في إطار "الكتلة السياسية"، واستقبلها تماما كما يستقبل حدثا آخر في غزة أو لبنان أو أي منطقة أخرى، لكن في عمق ما يجري فإن استقلال الحدث العربي، أو على الأقل الإقليمي، لم يعد ممكنا، فهذا الاستقلال رعته مصر سابقا عندما استقلت عن الأزمات في منتصف السبعينيات، قبل أن تشق طريقا مختلفا، فالنظام العربي منذ ظهوره حاول أن يستفيد من بعض بنود ميثاق الجامعة العربية كي يجزأ الكثير من القضايا، وفي خمسينيات القرن الماضي سعت مصر لتكسير هذه القضية، والخيار اليوم هو باتجاه حالة "جمع" حقيقي للأزمات.

ربما علينا فهم الظاهرة المصرية من جديد، فهي حركة الأجيال الجديدة، وهي ستحمل معها تشكيل نوعي بشرط واحد مرتبط بنوعية التفاعل معها، فالمسألة ليست "استنساخ" للثورة بأماكن أخرى، وهو ما يتم الحديث عنه على الأخص في التحليلات الأجنبية، إنما بالنظر للثقافة التي طرحتها واعتبار أن التحول الذي يمكن أن يحدث هو في النهاية نتيجة رؤية جديدة تعامل معها الشباب وكانت قادرة على الانتشار.

كيف ستظهر العلاقات الإقليمية بعد ما حدث؟ هو أمر يحتاج لجهد حقيقي في التفكير بمصر، وهذا الأمر لا ينطلق فقط من التحرك السياسي، فهو يحتاج أولا لوضع الحدث في موقعه الحقيقي داخل الشرق الأوسط، وربما محاولة إبداع أفكار قادرة على التواصل مع الأجيال الجديدة في مصر وفي غيرها، أو التفاهم مع "اللغة" التي طرحها هؤلاء الشباب خارج السياسة أو حالة التنظير للمواطنة، وبكلمات أقرب للعامية، دون أن يعني هذا الأمر سوى قدرة على التواصل، فهم لم يدعون أنهم يضعون ثقافة لكنهم وضعوها بالفعل، ولم يتحدثوا عن ثورة سياسية لكنهم أوجدوها، ومصر اليوم تحتاج الجميع، والجميع يحتاجوها... فكيف سنحقق هذه المعادلة.