الكاتب : جورج حاجوج

ما يزيد عن أربعة أسابيع احتاجتها ثورة الشعب في تونس كي تُسقط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، في حين أن ثمانية عشر يوماً فقط، كانت كافية بالنسبة للمصريين الثائرين كي يسقط نظام الرئيس حسني مبارك..

أليس في الأمر ما يدعو إلى الدهشة والاستغراب؟!.. والمقارنة التي يمكن إجراؤها بين تونس ومصر من النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية من شأنها أن تزيد من حدّة الدهشة والاستغراب!.

الآن وبعد أن سقط نظام الحكم في مصر ـ بالتأكيد نظام الحكم وليس تنحي الرئيس أو استبدال شخص بآخر ـ ثمة أكثر من تساؤل يمكن طرحه حول الأيام الثمانية عشرة الماضية أثناء اشتعال ثورة الغضب والتغيير:

الأول: كان ملفتاً أن كل الشعارات التي رفعها المتظاهرون والمحتجون لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى ما يمسّ أو يطاول العلاقات المصرية ـ "الإسرائيلية" أو اتفاقية كامب ديفيد ومصيرها؟!..

الثاني: خلَتْ الشعارات، إلا ما ندر، من أية إشارة إلى العلاقات المصرية ـ العربية ودور مصر على مدى السنوات الماضية واغترابها وابتعادها عن لعب دورها كقوة عربية وإقليمية يمكن أن تساهم في خدمة المصالح العربية؟!..

الثالث: الشعارات نفسها لم تُشر لا من قريب ولا من بعيد إلى العلاقات المصرية ـ الأمريكية خصوصاً، والمصرية ـ الدولية عموماً؟!..

الرابع: ابتعاد الشعارات أيضاً عن أية إشارة تخص المسألة الفلسطينية والدور المصري غير المُرضي فيها على مدى السنوات الماضية، وخصوصاً منذ بدء الحصار "الإسرائيلي" على قطاع غزة واتساع حدة الشقاق الفلسطيني ـ الفلسطيني؟!.. الخامس: كانت الشعارات بعيدة عن أية التفاتة يمكن أن تتناول الخط السياسي الخارجي المصري، العربي والإقليمي والدولي؟!.

بالطبع، فإن المراقب لهذه الأيام الثمانية عشرة، يستطيع ببساطة أن يكتشف أن المطالب كلها كانت تصب في اتجاه إسقاط النظام كبنية ومضمون وشكل.. كانت تصب كلها في منحى، يبدو للوهلة الأولى، مطلبياً أي ضد القهر والظلم والفساد وسرقة ثروات البلاد والاحتكار وافتقاد الحرية والديمقراطية و.. و.. و.. لكن المؤكد أن هذا لا يعني أنه لا وجود في قاموس هذه الثورة لرؤية سياسية خارجية، وتطلّع نحو إعادة رسم الدور المصري الخارجي وفي كل الاتجاهات.

حتى الآن لم يرشح شيء في هذا الخصوص.. كل ما رشح فقط تهافت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا و"إسرائيل" نحو التأكيد على أن مصر قد تغيرت اليوم، ولكن هذا التغيير يبدو مثيراً للقلق بالنسبة لهؤلاء، باعتباره يشكل خطراً ـ لا يبدو واضحاً حتى الآن ـ تجاه التزامات مصر حسني مبارك وقبله السادات نحو "إسرائيل" واتفاقية السلام خصوصاً، ونحو الولايات المتحدة وأوروبا عموماً..

وعلى الرغم من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سارع في بيانه إلى طمأنة هؤلاء من أن مصر معنية بكل التزاماتها الإقليمية والدولية، فإن القلق موجود لأن لا أحد يستطيع التكهن بملامح الحكومة المقبلة والرئيس المقبل والنظام السياسي المصري الذي لم تظهر معالمه بعد، وظهور هذه المعالم يحتاج إلى مزيد من الوقت، وربما مزيد من القلق!.

المؤكد أن الشعارات المطلبية التي كانت السمة البارزة لثورة الشعب في مصر، تخفي وراءها الكثير مما ستكشف عنه الأيام والشهور المقبلة، ذلك أن الشعار العريض الذي رفعته ثورة الشعب: إسقاط النظام..

لا يعني فقط إسقاطه لجهة أدائه داخلياً تجاه الشعب المصري، إنما لجهة الأداء الخارجي، أي السياسة الخارجية المصرية، وهذا الشق هو ما تجنبت الثورة تسليط الضوء عليه خلال الأيام الثمانية عشرة التي سقط بعدها النظام.

داخلياً ومطلبياً، تبدو الصورة أكثر وضوحاً، أما خارجياً وسياسياً فهي الآن صورة مشوشة وبلا ملامح، ويبدو السؤال هنا مشروعاً: هل ستترك القوى العظمى المصريين كي يبنوا نظامهم الجديد وفق رؤيتهم وتصورهم، داخلياً وخارجياً، أم أنه سيكون لهذه القوى حراكها وضغوطاتها التي ستعبّر عن رأي آخر؟!.