الكاتب : ربى الحصري

الثورة المصرية فتحت أمام "الغرب" تحديدا مساحة لدراسة الحدث بشكل مختلف، فرد الفعل السياسي كان مضطرا لدخول في مسائل الديمقراطية، لكن على الجانب الآخر كانت مصر تجتاز مرحلة تحمل إشارات استفهام لنوعية التداعيات المحتملة، فالسكون العربي السابق للثورة هو "سكون مصري" بامتياز، وشهد سعيا لوضعها من قبل الولايات المتحدة وأوروبا كنموذج سياسي يمكن انتقاده بـ"حياء"، لكنه على الأقل يضمن عدم الدخول بـ"مغامرات" سياسية على شاكلة ما قام به جمال عبد الناصر على سبيل المثال.

والعلاقة ما بين الغرب والشرق حسب المصطلحات "الاستشراقية" كانت تمر بمصر تحديدا كمفصل أساسي، فمنها انطلق "حملة" الكشف الأولى عبر نابليون، وتم اختراق السلطنة العثمانية من مصر التي عادت مرة أخرى وشكلت أزمة تتجدد دائما منذ محمد علي ومرورا بثورة 23 تموز ومؤخرا بحركة الشباب التي قادة ثورة غير مسبوقة في تاريخ مصر المعاصر. فالأزمة مع مصر كانت مزدوجة فهي تبدأ بالتأثير عليها من أجل الدخول الفعلي إلى الشرق الأوسط، ثم تدخل مرحلة التداعيات المتعبة بالإجمال بالنسبة للغرب عموما، والعقود الثلاث الماضية التي شكلت حالة استرخاء بالنسبة للولايات المتحدة على أقل تقدير يمكن اعتبارها نموذجا لـ"امتصاص" الحدث في الشرق الأوسط عبر مصر.

القضية اليوم تبدأ في أن "النظام السياسي" في مصر تم تركيبه على مراحل كي يخلق هذا الواقع، ومن الصعب التفكير بنوعية ما يمكن أن يظهر بعد تفكك الرؤية الخاصة بهذا النظام، في وقت تتبلور "رؤية" يمكن ان تفترق عن الأولى وتؤدي لظهور "مؤسسات سياسية" تعيد مصر إلى منطقة التأثير وحتى التحكم بمفاصل الشرق الأوسط بدلا من "امتصاص" الحدث وإعادة إنتاجه من جديد من خلال جامعة الدول العربية التي ظهرت أساسا لتتعامل مع واقع مصر في مراحل "الاسترخاء".

والمعضلة لا يواجهها الغرب فقط بل "النظام العربي" أيضا، فالعقود الثلاث الماضية كانت كفيلة بتشكيل تجمعات عربية مرتبطة أساسا بموقفها من هذا النظام، في وقت شهدت حركة "الفكر العروبي" تراجعا واضحا، فالتجميع السياسي الحالي قائم على نوعية "الحدث السياسي" وليس على منهج فكري قادر على ضبط المصالح وتحديد الأهداف.

بالنسبة لمراكز البحث العالمي فهي تقرأ من جديد ديناميكية المجتمع المصري، فما يهمها هو الحركة المصرية تحديدا كمفصل يخص الشرق الأوسط، وتبدو البرامج الحوارية في الإعلام التي تتحدث عن نوعية الثورة المصرية و "سلميتها" حالة تطفو على السطح، لكنها مؤشر لعوامل جديدة مرتبطة بتبدل "البنية الشابة" في مصر وهي مجال بحث معمق يجري تحت الحدث السياسي.

حاجز الفهم لما جرى في مصر مازال قائما داخل المنطقة، فهناك قلق "انتشار" الثورة، لكن المسألة لا تبدو بالنسبة لمن هم خارج العالم العربي مسألة "انتشار" بل تأثير للحدث على النخب السياسية العربية عموما، وحتى أن مسألة "الانتشار" تبدو أشبه بـ"الحملة" الإعلامية التي يٌراد منها خلق بيئة عند النخب على اختلاف أنواعها تشعرهم بالقلق، وهم بالفعل عليهم أن يقلقوا ليس بسبب خطر تكرار التجربة، بل لأن الاستحقاقات التي فرضتها أدخلت المنطقة في زمن جديد يحتاج لجهد سياسي واجتماعي وحتى ثقافي مختلف عما كان سائد من قبل.