احتل معمر القذافي، أمس، المشهد الليبي بخطاب طويل ومتوتّر يحتاج إلى محللين نفسيين لقراءة حركاته وعباراته، التي تؤكّد أن الرجل بات محاصراً في المساحة التي يخطب منها في بيته في العزيزية، وسط معلومات تؤكّد أن مساحات واسعة من الأراضي الليبية، ولا سيما في الشرق، باتت خارج سيطرة عقيد ’الجماهيرية’.

خطاب القذافي، الذي استمر أكثر من ساعة، كرّس ’جنون العظمة’ الذي يعانيه الرجل، الذي اختصر ليبيا بشخص ’الزعيم’ وعائلته وأجداده وقبيلته، مع إطلاق سيل جديد من التهديدات فاقت تلك التي كالها ابنه سيف الإسلام القذّافي قبل يومين.

تهديدات بسحق المحتجين، ترافقت مع تأكيد العقيد أنه ’لم يستخدم القوة بعد’. فالدبابات والطائرات والمرتزقة لا يعتبرهم القذافي من عناصر القوة، ربما المعيار بالنسبة إليه هو استخدام الأسلحة غير التقليدية في حربه على الشعب الليبي.

خطاب الرعب والجنون، لعل هذه التسمية هي المثلى لمشهد القذافي المسرحي من على منبر العزيزية.

رعب تجاوز الحدود الليبية إلى الخارج، والتقطته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي اعتبرته ’مرعباً جداً جداً’، ولا بد من فرض عقوبات على ليبيا. لكن الموقف الألماني جاء فريداً، فالصمت لا يزال يخيّم على باقي العواصم التي قد تدعم مثل هذا التوجه، والتي بدا أنها متواطئة ضمناً لإعطاء مهلة للقذافي، قد تصل إلى 48 ساعة إضافية، لارتكاب المزيد من جرائم الإبادة الجماعية والقضاء على الثورة الشعبية، قبل أن تدرس جديّاً تعديل الموقف، ولو شكليّاً.

ليس لديّ منصب لأستقيل منه، أنا لست رئيس دولة، أنا الصخرة الصماء، أنا قائد ثورة، أنا مجد لا تفرط به ليبيا ولا كل الشعوب’. هكذا اختصر الزعيم الليبي أمس الأوضاع المشتعلة في بلاده بنفسه، مستخدماً لغة الوعيد والتهديد، ومخيّراً الليبيين مرة جديدة بين حكمه أو الفوضى والحرب الأهلية والقاعدة.

وفي نسخة مكرّرة من خطاب نجله سيف الإسلام قبل يومين، لكن بأسلوبه، خرج القذافي ليتوعّد المحتجين، بعدما اتهمهم بالعمالة والخيانة وتشويه صورة ليبيا أمام العالم، واختصرهم بحفنة من الحيوانات «فئران، جراذين، قطط»، مطالباً الشعب الليبي بالخروج وراءهم ومطاردتهم في أوكارهم حتى القضاء عليهم.

وأنحى القذافي باللائمة في الاضطرابات على المحتجين، قائلاً ’الآن مجموعة قليلة من الشبان المعطاة لهم حبوب (الهلوسة) يغيرون على مراكز الشرطة مثل الفئران، يهاجمون ثكنة آمنة غافلة’.

ومضى يقول ’لكن هؤلاء الشبان ليس لهم ذنب. هم صغار السن 16-17 يقلدون ما يجري في تونس ومصر وهذا شيء عادي.

واتهم المحتجين بأنهم مأجورون للاستخبارات الأجنبية ولأجهزة ’خيانة عربية شقيقة تغدركم وتخونكم وتسيء لصورتكم’.

كذلك اتهم القذافي المحتجين بأنهم يريدون تحويل ليبيا الى دولة إسلامية، معتبراً أن ’قلة إرهابية تريد أن تحول ليبيا إلى إمارات’ تابعة لزعيم تنظيم ’القاعدة’، أسامة بن لادن، ونائبه أيمن الظواهري.

وهدد القذافي أبناء ’شعبه’ من المحتجين بمصير مماثلاً للمجازر التي ارتكبتها أنظمة عالمية مثل الصين وروسيا ويوغوسلافيا ضد شعوبها دفاعاً عن ’وحدة البلاد’،، إذا لم يتراجعوا عن مطالبته بالتنحي.

وفي محاولة لتأليب الليبيين بعضهم على بعض، دعا الليبيين ’الذين يحبون القذافي إلى الخروج من بيوتهم’ ومواجهة ’عصابات الجرذان التي لا تمثل واحداً على مليون من الشعب’، في إشارة إلى المتظاهرين المطالبين بإسقاط نظامه.

ولم ينس القذافي في خضم تهديداته التي لم تتوقف، إعلان عزمه على القيام بإصلاحات في البلديات والإدارات المحلية، مؤكداً أنه ’ستشكل، ابتداءً من الغد، بلديات وإدارات محلية’، ومعتبراً أن ’هذا هو الحل بدلاً من التخريب’. كما أكد أنه ليس لديه أي مانع في اعتماد دستور لليبيا أو أي منظومة أخرى يختارها الليبيون، داعياً إياهم للعودة للمؤتمرات الشعبية، ’لأنه في ليبيا يمكن أن تخرج تظاهرات دفاعاً عن غزة أو العراق، أما عندما يتعلق الأمر بقضايا داخلية فلا بد من العودة إلى المؤتمرات الشعبية’.

في هذه الأثناء، لم تستطع المجازر التي ارتكبها النظام الليبي طوال اليومين الماضيين ثني الليبيين عن مواصلة مطالبتهم بتنحي القذافي عن الحكم.

وأكد شهود عيان في طرابلس لمنظمة «هيومن رايتس ووتش» أن القوات الحكومية كانت تطلق النار عشوائياً في أحياء مختلفة في العاصمة ليل أول من أمس. وقال أشخاص يعيشون قرب الساحة الخضراء في العاصمة إنهم رأوا جثثاً ملقاة في الساحة من دون أن يتمكن أحد من انتشالها بسبب إطلاق النار، مؤكدين أن مستشفيات طرابلس خلت من الدم.