حقق ثوار ليبيا، أمس، اختراقاً ميدانياً مهماً، كسر الجمود الذي شهده مسار ثورتهم خلال اليومين الماضيين، حيث تمكنوا من إحكام سيطرتهم على مدينة الزاوية، المدخل الغربي لطرابلس، ومدينة مصراتة، مدخلها الشرقي، مشددين بذلك الخناق على الرئيس معمر القذافي، الذي يعاند رياح التغيير من حصنه في باب العزيزية، ما يزيد من عزلته الداخلية المتمثلة بخروج المناطق الشرقية في ليبيا عن سيطرته العسكرية والسياسية، وعزلته الدولية، المتمثلة بالعقوبات القاسية التي فرضها مجلس الأمن على اركان نظامه وافراد اسرته، وإقرار إيطاليا، أقرب حلفائه، بأن أيامه في الحكم قد أصبحت معدودة.

وأحكم الثوار الليبيون سيطرتهم على مدينة الزاوية، الواقعة على بعد 50 كيلومتراً إلى الشرق من طرابلس.

ورفرف العلم الليبي لفترة ما قبل القذافي بألوانه الأحمر والأخضر والأسود والأبيض فوق مبنى في وسط المدينة، فيما هتف المئات «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«هذه ثورتنا»، مطلقين النار في الهواء من مدفع مضاد للطائرات منصوب على شاحنة، فيما لوحوا بأعلام الثورة على ظهر دبابة استولوا عليها.

وظهرت على البلدة الاستراتيجية، التي تقع على الطريق السريع المؤدي إلى الحدود مع تونس آثار القتال العنيف، وقد بدت آثار الحرائق على الجدران التي غطتها الثقوب الناجمة عن الأعيرة النارية بعد أيام من القتال.

وقال المحتجون إن نحو ألفي جندي من الموالين للقذافي يحيطون بالبلدة، وإنهم يستعدون للهجوم مجدداً. وقال رائد في الشرطة انشق على القذافي وانضم إلى معارضيه «سنفعل كل ما بوسعنا لصدهم. سيهاجمون قريبا»، لافتاً إلى أن 2500 من قوات الشرطة و400 ضابط قد انشقوا على نظام القذافي وأنهم مستعدون للدفاع عن الزاوية.

وما زالت طرابلس كلها تخضع لسيطرة القذافي، وقد انتشرت دبابات على أطرافها، التي كثفت فيها القوات الموالية للنظام من نقاط التفتيش، فيما قام سكان بعض الأحياء ببناء الحواجز بأنفسهم مظهرين التحدي للحكومة.

وسجل مساء أمس إطلاق النار بشكل متفرق حول طرابلس لكن الصورة من داخل المدينة ليست واضحة بعد.

وفي مصراتة، وهي مدينة رئيسية على بعد 150 كيلومترا إلى الشرق من طرابلس، قال شهود عيان إن قوات المعارضة أحكمت سيطرتها على المدينة بعدما صدت مجموعة من القوات الموالية للقذافي تعمل من المطار المحلي.

وبسيطرتهم على الزاوية ومصراتة، يكون المعارضون للقذافي قد بدأوا في محاصرة المدخلين الغربي والشرقي لطرابلس، ما يعني أن ساعة الصفر لفتح معركة تحرير طرابلس قد أصبحت قريبة، ما لم تنجح القوات الموالية للعقيد الليبي في استنزاف الثوار، من خلال هجمات متفرقة على المدن المحررة.

وأعلن مسؤول في لجنة ثورية تابعة للمعارضة في مدينة نالوت، التي تبعد 60 كلم عن الحدود التونسية في غرب ليبيا، أن عددا كبيرا من مدن غرب البلاد بات «في أيدي الشعب»، لافتاً إلى أن هذه المدن «تعد لمسيرة لتحرير طرابلس».

لكن المراقبين يرون أن مدى قدرة نظام القذافي ومعارضيه على حسم المعركة يبقى رهناً بموقف القبائل الليبية في المناطق الغربية، وهي تنضوي في تجمعات غير متجانسة، وما زال موقفها من الثورة ضبابياً، بانتظار أن تميل موازين القوى إلى هذا الطرف أو ذاك.

وبدأ قادة الحركة الاحتجاجية تنظيم صفوفهم في شرق البلاد وغربها بشكل متسارع، مؤكدين العمل للقيام بـ«مسيرة تحرر طرابلس». وأعلن عبد الحفيظ غوقة، وهو احد قادة الحركة الاحتجاجية، في مؤتمر صحافي عقده في بنغازي، «تشكيل مجلس وطني في جميع المدن الليبية المحررة، مضيفاً «إننا على اتصال مع كل المدن المحررة من اجل تشكيل هذا المجلس».

وقال لواء في الجيش في شرق ليبيا انشق عن القذافي إن قواته مستعدة لمساعدة المحتجين الذين يقاتلون في طرابلس إذا دعوهم إلى ذلك. وقال اللواء احمد القطراني أحد أبرز قادة الجيش في بنغازي إن المحتجين أبلغوه إنهم بخير حتى الآن، ولا يحتاجون للمساعدة، لكنهم إذا طلبوا المساعدة فسوف تتحرك القوات في المنطقة الشرقية لدعمهم.

وبرغم المأزق الذي يواجهه، قال القذافي، في مقابلة مع شبكة التلفزيون الصربية ـ بينك تي في ـ ، مساء أمس، إن البلاد هادئة تماما.

واعتبر القذافي أنه لا توجد اضطرابات الآن، وليبيا هادئة تماما، ولا يوجد أي شيء غير عادي. لا توجد اضطرابات.

واتهم القذافي مجدداً تنظيم ’القاعدة’ بالوقوف وراء العصابات الإرهابية. وأشار إلى أنه لا يوجد في ليبيا سوى ’مجموعة صغيرة’من المتمردين يتم التعامل معها، مضيفا إما بقية ليبيا فكلها هادئة وإذا شاهدتم التلفزيون الليبي سترون التظاهرات والهتافات المؤيدة للثورة (الفاتح)’. وشدد على أن ’الشعب الليبي يقف ورائي بالكامل’.

وكان سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي، أكد لشبكة ـ أيه بي سي نيوز ـ الإخبارية أن هناك ’فجوة كبيرة بين الواقع والتقارير الإعلامية’، مشدداً على أن ’كل الجنوب هادئ. الغرب هادئ. الوسط هادئ... وحتى جزء من الشرق’.

وفي محاولة لإنقاذ نفسه حاول القذافي رشوة الشعب الليبي لاستمالة من تبقى من أتباعه، وذلك من خلال رسالة نصية أرسلت لجميع الهواتف المحمولة في ليبيا، تفيد بأن عملية صرف 500 دينار لكل عائلة ليبية تقف إلى جواره ستكون مستمرة طيلة الأيام المقبلة.