الكاتب : حازم خضر

يتفوق العقيد القذافي على سابقيه المخلوعين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك أشواطا في طريقة تعاطيه مع معارضيه. تفوق لا يتصل بحجم ونوعية الجرائم التي تجاوزت كثيرا بدعة البلطجية في مصر وإطلاق النيران على المدنيين في مدن الوسط التونسي. فمن الواضح أن تعاطي قائد ثورة الفاتح مع الثورة الليبية لم يسبقه له أحد وخصوصا في العقدين الأخيرين عندما بات كل شيء مكشوفا أمام البشرية ولم تعد هناك جرائم حرب لا تصلها كاميرات التلفزة أيا كان موقعها.

القذافي تمكن لدرجة كبيرة من إبعاد كل وسائل الإعلام عن حرق بنغازي ومصراتة والزاوية وغيرها من المدن والبلدات الليبية. وحتى البشاعة التي نقلتها كاميرات الهواتف النقالة والكاميرات البسيطة للثوار وبثتها عبر الانترنت لا تشكل شيئا بالمقارنة مع حديث الليبيين في المدن التي خرجت من سيطرة القذافي عن استخدام المدفعية والدبابات والطيران الحربي في دك الأحياء وتجمعات المتظاهرين بل وحتى قصف مستودعات الذخائر التي أوقعت عشرات القتلى بين المزارعين والقرويين قرب أحد تلك المجمعات في بنغازي.

يواصل القذافي تلك المحرقة على مدار الساعة في صراع لا سابق له للحفاظ على السلطة وثروات نفطية حوّلها لعائلته حاصدا عشرات آلاف الضحايا بين قتلى ومصابين وما ستكشفه الأيام المقبلة من فظائع جديدة تشبه إلى حد كبير، وربما تتفوق ، ما اتبعه المحتل الايطالي مع ثورة الليبيين مطلع القرن الماضي.

لذلك يصبح تركيز الإعلام الفضائي العربي على جنون القذافي وهفواته وفصوله التي لا تنتهي مادة طريفة للتسلية لدى المشاهدين لكنها بالتأكيد لا تلامس جوهر ما يجري من فظائع لمسته كثير من وسائل الإعلام الغربية وحشدت رأيا عاما غربيا واسعا لملاحقة ’ المجرم ’بل ووجدت واشنطن ولندن القلقتين على إمدادات النفط بتلك الجرائم مدخلا للتحرك لمعاقبته القذافي ماليا فيما وضعته المحكمة الجنائية الدولية على رأس المطلوبين كمجرم حرب مع مجموعة من أبنائه والمقربين منه.

بالتأكيد لا يملك الإعلام مساحات للتحرك في بلد ظل مغلقا لأكثر من أربعين عاما فضلا عن عدم وجود مكاتب للفضائيات الكبرى وحتى إرسال مندوبين لم يتح المطلوب في ظل المساحات الكبيرة وتنقل الحرب بين مدن الشرق والغرب وعدم توفر إمكانات النقل واستحالة العمل في المناطق التي تتواجد فيها قوات القذافي إلا بما يسمح بها من تمجيد وتكذيب للجرائم من قبيل أن وصم الثوار بالمهلوسين أو ينتمون للقاعدة وحتى نقل مسيرات التأييد والمباركة للأخ العقيد !!.

أربكت خصوصية القمع الذي يمارسه القذافي ضد الثورة الاعلام العربي. ولعبت تصفية بعض الدول العربية الحسابات مع النظام السابق كما العلاقات الوثيقة معه دورا مهما في نوعية التغطيات للجرائم التي يتعرض لها الشعب الليبي . ففيما وقفت كثير من وسائل الإعلام وخصوصا الخليجية منها موقفا شامتا بالقذافي مستعيرة ’ فصوله’ التي تكاد لا تنتهي والبحث في فضائح عائلته المالية وقفت وسائل إعلام أخرى موقفا مبالغ في حياديته بحيث تنقل وقائع المجازر والحرب اليومية وكأنها تجري في كوكب أخر. وفي كلا الحالتين أخفق الطرفان في الوصول الى مقاربة موضوعية ومنحازة لصالح الضحايا المدنيين.