الكاتب : حازم خضر

تتجاوز خطابات الشيخ يوسف القرضاوي ما يدرج عادة تحت إطار زلة اللسان أو الهفوة تبريرا لأخطاء كبيرة تمس كرامات الشعوب والتدخل في حياتهم وخياراتهم. وإذا كان كثير من الشعوب قد تأذى بفعل تلك الاستفزازات بدءا بالمصريين والتوانسة والليبيين فإن الإساءة للسوريين في خطبة يوم الجمعة الماضية تتجاوز التجارب السابقة استنادا الى ما تضمنته من تحريض طائفي مرفوض مس كل سوري وخلق رد فعل بالغ الاشمئزاز من ذلك الموقف المشين.

لم يصطدم السوريون فيما مضى مع تصريحات وخطب القرضاوي رغم مسها بوضوح بكثير من قضايا الشعوب والتحريض على قياداتها ومحاولة وعظهم باتجاه رسم مستقبلهم. لكن الدخول الفاضح للشيخ المصري في شأن داخلي ومحاولة رسم مواقف مرفوضة من تركيبة السوريين وإعطاء شهادات تقييم ..لا تستقيم مع جوهر الدين الحنيف من جهة، كما أنها تشير الى وجود محاولات منظمة وعالية المستوى للتدخل الخطير في الشأن السوري عبر بوابة رجال الدين.

يريد السوريون الإصلاح ولهم مطالب كثيرة تقرها الدولة بل وتعمل جاهدة وبصورة متسارعة خلال الأيام القليلة الماضية لتحقيقها . وقد تكون حصلت أخطاء في التعاطي وخصوصا ما يتصل بسقوط ضحايا في درعا وغيرها من المدن لكن كل ذلك أمر داخلي سوري يعالجه السوريون القادرون على إدارة أمورهم بأنفسهم ورسم طريقهم بوعي لم تتسلل إليه يوما الأفكار الجهنمية التي تغلف خطبة القرضاوي والتعاطي مع سورية على أساس مذهبي فاجئ كثير من السوريين وجعلهم يلتفتون بالفعل إلى قطبة خفية في بعض ما يجري ومحاولة إلباس الدعوات للإصلاح بعدا مرفوضا من الجميع في الحكومة والمحتجين وكل مكان آخر.

سورية أكبر من تلك العظات بالتأكيد ولديها من العلماء ورجال الدين من يستطيع التمييز بين الحقيقي والمزيف ، ورجال ونساء يتعاملون مع أي تدخل خارجي ، ولو لفظيا ، بحساسية عالية جدا فكيف إذا كان ذلك التدخل ضمن سياق الفتنة الطائفية؟.

لا يكفي الاعتذار للسوريين وأن كان ضروريا. فما كشفه القرضاوي يفتح الأذهان إلى تفكير حاقد على سورية وأبنائها سيجعلهم يفكرون ألف مرة في كل خطوة لا تهدف الى البناء ورسم مستقبل مشرق كما كانت سورية على مدى آلاف السنيين مجتمعا متحضرا مدنيا يحتم مواطنيه ولا يتعامل معهم كرعايا وأبناء طوائف ومذاهب.