الكاتب : حسان عبه جي

بدت التظاهرات أمس وكأنها تأخذ سياقا مختلفا، حيث تبدد قلق العنف بعد ساعة تقريبا على انطلاقتها، وكان واضحا أثر التحركات السياسية التي سبقتها وعلى الأخص تكثيف اللقاءات مع الرئاسة، وبغض النظر عن طبيعة التغطية الإعلامية التي على ما يبدو أخرجت صورا جديدة إلى العلن، لكنها لم تؤثر أمس على الأقل على المسار العام لأي "تظاهرة" سواء كانت كبيرة أو محدودة.

ورغم أن بعض القنوات تحدثت عن "أعداد مليونية" وربما لم تتغير وتيرة "الحدث السوري" داخل الفضائيات، إلا أن التغطية الرسمية حملت معها أمرين أساسيين:

الأول هو التأكيد على حدوث التظاهرات وعلى نوعية الشعارات فيها، وهو مؤشر واضح على محاولة لتسليط الضوء على "الحلول السياسية" التي تم تقديمها سابقا من قبل الدولة، وهو أمر يوحي بالدرجة الأولى على أن "حزمة الإصلاحات" التي طرحتها منذ البداية المستشارة الإعلامية والسياسية للرئيس الدكتورة بثينة شعبان قادرة على استيعاب ظاهرة الاحتجاج الحالية، في وقت يسعى فيه الإعلام السوري إلى عزل الاحتجاج عن مسألة العنف والشغب.

الثاني التركيز على تحليل الوثائق المصورة، على الأخص أن مثل هذه الوثائق هي متجدد ودون معرفة المصدر الذي تنطلق منه، فالإعلام الرسمي يجد نفسه في مواجهة حالة فوضى "داخل الأشرطة" المصورة القادرة على تثبيت صورة حتى ولو تم إثبات زيفها، فالفضائيات تبثها بشكل مستمر دون أي التفاتة لما يقدمه التلفزيون السوري.

ما تم أمس ربما دفع المعركة الإعلامية إلى الواجهة، فالصراع هو على المشاهد السوري تحديدا وليس فقط لرسم صورة سورية في الخارج، فعمليات التكرار لنفس الصور هو في النهاية تأكيد للجمهور السوري على أن "الحقيقة" تكمن "فيما لا يقوله" الإعلام الداخلي، بينما تسعى الفضائيات السوري إلى الدخول في تحليل المحتوى بشكل تقني وفي إرسال مندوبها ولو بشكل متأخر إلى المناطق التي ظهرت "الاحتجاجات".

لكن كسب "الحرب الإعلامية" أو حتى "الافتراضية" لن يكون على نفس المساحة التي يتم من خلال الاستوديوهات والتحقيقات الصحفية، فالمسألة في عمقها ليست تنافسا بل محاولات تقديم رهانات سياسية حول سورية، فهناك مساحة عمل غير إعلامية يتم تحرك عليها منذ بداية الحدث السوري وتصاعده، وربما ساعدت أسئلة الاستفهام الكثير في دفع الإعلام ليصبح المحرك الأكبر، كما ان تزامن ما يحدث مع باقي التحركات العربية شكل قناعات لدى البعض بأن الإعلام مسؤول بالدرجة الأولى على صناعة الحدث وتحريكه.

ما حدث بالأمس يضع سياقا يمكن أن يتبلور، فشهر مضى ومازالت نفس الشعارات تتكرر، بينما عدنا للمربع الأول في مسألة "الحراك السياسي" وحتى في عملية التفاعل ما بين المؤسسات السياسية الرسمية أو تلك التي تتحرك خارج إطار الدولة وبين المجتمع، وربما يبدو السؤال الأكبر: لماذا لم نشهد "رؤية" سياسية بعد شهر من "الاحتجاجات"؟ ولماذا بقي الإعلام على نفس الصورة؟ ربما يساعد سياق "المظاهرات" أمس على الخروج من هذا الإطار الذي سيصبح تقليدا وربما كسر الحلقة المفرغة في عملية الانتقال من صورة الاحتجاج إلى البحث عن "تحقيق المستقبل"، وهو أمر يحتاج لقوى اجتماعية على ما يبدو مازالت مشتتة وموزعة، فتلك القوى ليست بالضرورة موجودة في حركة الاحتجاج أو في الطرف الآخر، لأنها في النهاية لا يمكن أن تظهر إلا ضمن "رؤية" لسورية في المستقبل وربما ضمن طاقة مؤسساتية، وهو أمر سيكسر هذا الحاجز الافتراضي ما بين الطرفين الموجودين حاليا على الأقل في الصورة الإعلامية، أو يخلق "تيارا ثالثا" رغم أن تجربة هذا التيار تحتاج لقراءة متأنية.