الكاتب : ربى الحصري

من لم يتابع مؤتمر اسطنبول حول مستقبل سورية فهو بعيد عن الجواء التي تحكم المناخ الدولي حول المنطقة عموما، فحجم التوجهات الدينية وحتى العشائرية التي ظهرت فيه تدعو بالفعل إلى التساؤل، وربما من خلال زياراتي الدائمة إلى وطني لم أكن أشعر بتلك الغربة التي تنتابني الآن عندما اعود منهكة فأحاول معرفة اخبار الوطن... لكنني طرحت سؤالا حول صورة سورية من خلال هذا المؤتمر... وطرحت نفس السؤال عندما حدثني البعض عن "الصورة" التي تنقلها التظاهرات في بعض الأحيان.

الانطباع الأول لمتابعتي لمؤتمر اسطنبول كانت في نوعية التوجه الذي يحكم من اجتمعوا، وبالطبع فإن المستقبل كما قدموه لم يحمل سوى سيناريوهات نظرية، معتمدة أساسا على "رواية القهر والاستبداد"، والتأكيد على وجود شخصيات علمانية يوحي بأن محاول استيعاب الجميع لم تقدم على مستوى الرؤية أي شيء، فهو مؤتمر ينطلق من الخارج وربما لا يريد الدخول في الأسئلة الكبرى التي يطرحها طبيهة المجتمع السوري.

وبغض النظر عن واقع الوصف الذي ظهر وكأنه مساحة مفتوحة في المرحلة الأخيرة، لكن مثل هذه المؤتمرات التي تظهر في الجوار السوري تعبر في الواقع عن أمرين: الأول هي عملية الضغط من أجل تفوق "سيناريو" على آخر، حيث يغلب الحديث أو التحليل أو حتى مسألة الصورة في تقديم "النموذج السوري" مطابق تماما للنموذج الليبي، في وقت تظهر تصريحات أوروبية تبعد النموذجين عن بعضهما رغم أنها تستنكر وضغط باتجاه دمشق، وبالطبق فالمسألة ليست مجرد إقناع لعواصم القرار الدولي، بل هي اختراق لمسألة الشرعية بالنسبة لسورية، فتلك المؤتمرات في النهاية تحمل رسائل إلى الداخل السوري، ولم تكن وظيفتها التعامل مع الرأي العام العالمي أو حتى فتح قنوات جديدة "عسكرية" بالدرجة الأولى ضد الدولة السورية.

الأمر الثاني محلي لأن المؤتمر تزامن مع توقيع عدد من المثقفين في الداخل والخارج حول بيان متعلق بـ"قمع المتظاهرين"، وبالطبع فإن مسألة الرأي في هذا الموضوع لا يمكن مناقشتها، لكن بالتأكيد على المثقفين بالداخل على الأقل أن يطرحوا ما أكثر من مسألة البيان، على الأخص أن مبرر "الاعتقال" سقطت بعد أن وقعوا على هذا البيان وبالتالي فعليهم أن لا يخشوا من الانطلاق نحو مساحة مختلفة لا علاقة لها بمسألة التظاهر أو مؤتمر اسطنبول.

لا أعرف بالضبط كيف يفكر المثقفون في هذه اللحظة داخل سورية، لأن الآراء التي جاءتني لم تحمل معها تصورا محددا، لكن صدور بيان يعني في النهاية "التوصل إلى موقف"، وبالتأكيد فإن القمع يبقى مدان حتى ولو لم يصدروا مثل هذا البيان، لكننا نحتاج بالفعل إلى مساحة مختلفة متعلقة بـ"تحليلهم للموقف" أو "تقديرهم" لطبيعة السيناريوهات القادمة، لأنهم في النهاية، وعلى الأقل وفق الصورة الإعلامية المقدمة من مختلف المحطات، لم يكونوا طرفا في اندلاع التظاهر، أو حتى في بعض الحالات لا يعرفون تماما نوعية المتظاهرين.

بعض الصور التي وصلتني تنقل خليطا من المحتجين، وهي صورة ربما تشبه في النظرة الأولى ما حدث في مصر، لكنني في الواقع لا استطيع أن أحدد هل مثل هذا التكنيك يعبر عن حركة المجتمع السوري... على الأقل في قراءتي الأولية لا استطيع تفسير السياق الذي تتعامل معه حركة الاحتجاج، فالنموذج المصري في استقطابه لمختلف الشرائح حتى ولو كانت متضاربة ليس جديدا، والتاريخ المصري الحديث يطرح ثورة عام 1919 التي كانت بالفعل نموذجا ولو مبدئيا يعبر عن سياق مصري على أقل تقدير.

إذا كان المفكر السوري أدونيس تحدث عن أن ما يجري اليوم يشكل اختبارا لـ"النظام القائم" فأنا ومن موقعي المتواضع أرى أنه اختبار أيضا لما نسميه "قادة الرأي"، فهم من المفترض أن يسترجعوا موقعهم من جديد وليس فقط عبر البيانات.